إطفاء النار تحت “طبخة بحص” الكهرباء… والعتمة الشاملة بالإنتظار
أربعة تناقضات فاقعة انطوت عليها الخطة الاقتصادية للحكومة، أو ما يعرف بـ”مذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي”، في ما خص كيفية التعامل مع “قطاع الكهرباء”.
قول الشيء ونقيضه
أولاً، في الوقت الذي تنص فيه الخطة على “إجراء مراجعة تشغيلية وتدقيق مالي لمؤسسة الكهرباء، (تنتهي في آذار 2023)، واعتماد معيار هيكلي، (ينتهي في 2024)، لفرز الشركات المملوكة من الدولة، وتقسيمها إلى شركات من أجل الاحتفاظ بها تحت إدارة الدولة، أو تخصيصها أو تصفيتها، يستمر العمل بخطة الكهرباء المقرّة من الحكومة، فقط من أجل نيل تمويل البنك الدولي وتمرير معمل سلعاتا. وذلك على الرغم من أن التدقيق قد يفضي إلى نتائج تظهر سوء الإدارة والخطط المعتمدة في القطاع، وحتى تجريم من وضعها وسار بها. كما أن المعيار الهيكلي المستهدف بنهاية آذار 2023 قد يوصي بخصخصتها.
ثانياً، تعترف الخطة بأن عبء الفيول الباهظ التكلفة كان من العوائق الرئيسة في قصور الكهرباء، وتستمر في المقابل لبناء 3 معامل (دير عمار، سلعاتا، الزهراني)، هذا عدا عن المعامل الموقتة، التي تعمل على 3 أنواع من الطاقة بينها الفيول أويل، والديزل أويل، بالإضافة طبعاً إلى الغاز، وتهمل الانتقال إلى الطاقة المتجددة على مستوى موسّع. كما أنها لا تخصص أي اقتراح أو فكرة لكيفية تمويل شراء الفيول في المستقبل، والذي من المتوقع أن يشهد ارتفاعات مضطردة في السنوات المقبلة، بما فيها الغاز، الذي يعول عليه داخلياً في الإنتاج، ولا سيما في دير عمار.
ثالثاً، تقرّ الخطة بخطأ الدعم الكبير للكهرباء من الخزينة والذي “بلغ في المتوسط حوالى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العقد الماضي”، وتستكمل سياسة السلف، والتي كان آخرها إقرار سلفة 66 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة SDR… والحبل على الجرار.
رابعاً، البدء ببناء المعامل، قبل معالجة الهدرين الفني وغير الفني، والتي اعترفت الخطة بوصولهما إلى 40 في المئة. وتأجيل تخفيضهما بنسبة 50 في المئة إلى العام 2026. مع العلم أن جانباً من معالجة الهدر تقني والآخر سياسي، ويمكن للدولة المعوّلة على الإصلاحات، المباشرة به وتحقيقه قبل نهاية العام.
عود على بدء
في الوقت الذي يسيل فيه حبر الأقلام الحكومية على خطط الكهرباء الوهمية، غابت التغذية بشكل شبه كامل وانهارت الشبكة، بسبب نفاد الفيول وانتظار إفراغ شحنة جديدة بمقدار 40 ألف طن “بهليومين”. وعلى الرغم من أن لبنان يعتمد حالياً بشكل شبه كامل على صفقة “السواب” العراقية بمقدار مليون طن، يفترض أن تؤمن بحدود 80 ألف طن شهرياً بشكل منتظم لغاية أيلول المقبل، فإن التقطع في الشحنات أصبح مثل قصة “إبريق الزيت”. أما السبب فهو أن لبنان يدفع حق الفيول بالنقد الصعب وليس بالمقايضة، أو بالليرة كما روّجت الحكومة السابقة”، بحسب ما يفترض مدير العمليات في شركة MEP التي تشغل معملي الذوق والجية يحيا مولود. وبرأيه فإن “المشكلة تتخطى القدرة على تأمين الفيول، لتصل إلى عدم وجود أي إمكانيات مادية لتشغيل المعامل وصيانتها، واستحالة تشغيل المعامل التي تعمل على الفيول العراقي GRADE B إن لم ينتقل “دير عمار” إلى الغاز”. ومع عدم بروز بوادر إيجابية يمكن البناء عليها في ما خص استجرار الغاز المصري، وقع المشغلان في مأزق حقيقي. فإدارة الكهرباء عاجزة عن التصرف”، بحسب مولود. و”هي تنتظر قرار السلطة السياسية. والأخيرة، تبيع الناس الوهم. والعتمة التي لطالما حذرنا منها ستتحول إلى عتمة شاملة ولفترة طويلة”.
لا أمل بتأمين الكهرباء قريباً
شحنة الفيول المعوّل على وصولها وتفريغها اليوم سترفع الطاقة المنتجة إلى 400 ميغاواط، تغطي ساعتين إلى ثلاث يومياً لمدة 20 يوماً. أما إحداث فرق، فيتطلب وصول كميات كبيرة من الفيول والغاز، وهذا ما يبدو “متعثراً، ولفترة ليست بقصيرة”، برأي مولود. أما في ما يتعلق بسلفة 66 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة المخصصة للصيانة والمشغلين، التي أقرها مجلس الوزراء فهي ما زالت مجمدة. ويبدو بحسب مولود أنها “لن تستعمل ما لم يتأمن الفيول. فلا يوجد اتفاق ضمني ضمن كهرباء لبنان بكيفية صرف المبلغ ومن سيستفيد منه. والخوف هو أن صرف هذه المبالغ من دون تأمين الفيول سيذهب هدراً ولن يقدم أو يؤخر. وحسب ما فهم من “الكهرباء”، أن وزير الطاقة حريص على عدم صرف المبلغ قبل أن تتوضح طريقة تأمين الفيول”.
الابتزاز بالعتمة مستمرّ
“القصة وما فيها”، أن الممسكين والمتمسكين بالملف “فاشلون”، برأي المدير العام السابق للاستثمار والصيانة في وزارة الطاقة د. غسّان بيضون. “فعلى الرغم من إدارة وزارة الطاقة لملف الكهرباء على ذوقها، وتصدّيها لكل من يقف في وجهها أو يوقفها، فإن المشاكل تستمرّ بالتفاقم”. وهو ما يدلّ برأيه “على عدم معرفتهم وانعدام جديتهم، وجهلهم بالإدارة وأخذ الاحتياطات. فجهودهم معرقلة وغير مفيدة، وبالاتجاه غير الصحيح دائماً. ولا يُتوقع منهم غير ذلك طالما هم من يمسك الملف”.
ما يحصل على صعيد الكهرباء “قد يستعمل كحجة مباشرة لإلغاء الانتخابات”، من وجهة نظر بيضون. “ما يدعم هذه الفرضية غياب اليقين حتى عند وزير الطاقة نفسه في ما خص استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. فلا حل لأي أزمة قبل الانتخابات والتوصل إلى حل في ملف ترسيم الحدود البحرية. وكل من يعتقد خلاف ذلك يكون موهوماً.
انتهاء مفعول القانون 129/2019
في الوقت الذي تغيب فيه الكهرباء كلياً ينتهي في 30 نيسان الحالي مفعول القانون 129 الذي يعطي الحكومة صلاحيات الهيئة الناظمة.
وتضيع بذلك بحسب بيضون “الفرصة التي كان بإمكان الحكومة أن تيسّر أمور جزء من المواطنين لكسر حدة الأزمة من خلال إعطاء تراخيص الطاقة الشمسية، وايكال البلديات مراقبة التنفيذ، وعدم ربطها بالمركز اللبناني لحفظ الطاقة ومكتب الوزير لتقديم الطلبات والمراجعة التي لا يوافق عليها إلا بتدخلات سياسية من مراجع معروفة”.