إسرائيل تستهدف الموارد الماليّة للحزب: القرض الحسن مثالاً

إسرائيل تستهدف الموارد الماليّة للحزب: القرض الحسن مثالاً

الكاتب: بتول يزبك | المصدر: المدن
3 تشرين الأول 2024
إنّها الحرب الرابعة على لبنان. وإنّه لبنان اليوم القابل لتصدّق فيه كل الروايات المُرعبة والكابوسيّة. وفي الوقت الذي تُشير فيه معظم التقديرات، إلى أن المعركة ستكون طويلة، فإن ما تسعى إليه إسرائيل، إلى جانب تصفية بنك أهدافها البشريّ والعسكريّ والتنظيميّ – البنيويّ، هو إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرّر الاستراتيجيّ بحقّ الحزب، ومنها موارده الماليّة، أكان عبر تفتيت كل خطوط الإمداد الداخليّة والخارجيّة من مؤسسات أبرزها “القرض الحسن”، واغتيال الكوادر الّتي تُشرف على هذه الهيكليّة، بينما يتكتم الحزب عن الإدلاء بثنايا علاقته الشخصيّة بهذه الشخصيات والكوادر الموضوعة على لائحة العقوبات الأميركيّة.

يتدرج ذلك، ضمن خطّةٍ إسرائيليّة مُرّكزة ولا تنفصل فعليًّا عن سياق العقوبات الأميركيّة الّتي تلحق الحزب وكوادره، ومؤداها افتعال تململٍ في بنية الحزب، وأحد أقوى وأهمّ مداميكها العنصر الماليّ، والذي يحفظ تماسك الحزب الأمنيّ والعسكريّ والاجتماعيّ. فيما يُقابل ذلك ضبابيّة من قبل الحزب الذي يتفادى الخوض في حديث عن هذه الأضرار الماليّة والّتي تُقدّر بملايين الدولارات، وخصوصًا بعد استهداف سلاح الجوّ الإسرائيليّ لمؤسسات الحزب الماليّة ومن جملتها “القرض الحسن” في موجة الغارات الأسبوع الماضي.

تفتيت البنية الماليّة – البشريّة
مساء الثلاثاء 1 تشرين الأوّل، وسعت إسرائيل عملياتها، لتشمل رجال الأعمال الموضوعين على لائحة العقوبات الأميركيّة بتهم تمويل ونقل أسلحة لـحزب الله. فاستهدفت إسرائيل شقة في نطاق منطقة الجناح بالضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، لاغتيال محمد جعفر قصير المعروف أيضًا باسم الشيخ صلاح وحسين غولي وهو أبرز رجال الأعمال المُقربين من الحزب وأهم العناصر الّتي تعمل على حماية وتعزيز بيت مال الحزب، والذي وُضع على لائحة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة التابع لوزارة الخزانة الأميركيّة (OFAC) بسبب “الخدمات والمساعدات لفيلق القدس الإيرانيّ وللحوثيين وحزب الله”.

وفي الرواية الإسرائيليّة، فإن قصير شغل منصب قائد الوحد “4400” لأكثر من 15 عامًا. وكان في السّنوات الأخيرة مسؤولًا عن مجال التمويل في حزب الله. ونقل الأموال من إيران وسوريا إلى حزب الله في لبنان بقيمة مئات ملايين الدولارات سنويًّا (من دون أن تطرح الرواية كيف يتمّ نقل هذه الأموال أكان عبر تبييضها أو تهريبها)، كما وأفاد المسؤولون الإسرائيليون أن قصير “قاد مبادراتٍ اقتصاديّة بهدف الحصول على تمويل لأنشطة إرهابيّة للتنظيم (الحزب)، مثل مشاريع اقتصاديّة في لبنان وسوريا وشبكات اقتصاديّة ورجال أعمال في أنحاء العالم”.

ويأتي هذه الاستهداف الجديد، بعد أشهرٍ قليلة على العملية الّتي أدّت إلى استدراج وقتل “الصرّاف” محمد سرور الخاضع أيضًا إلى عقوباتٍ أميركيّة، والذي تمّ استدراجه وقتله في منطقة بيت مري – قضاء المتن، والّتي سارع حينها الإعلام الإسرائيليّ للإعلان عن قتله من قبل الموساد، رابطًا العمليّة بزعم تلقي سرور أموالًا إيرانيّة ونقلها إلى حركة “حماس”.  وكشف وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي، وقتها أن “المعطيات الأوليّة المتوافرة لدى السّلطات تُظهر أنّ الموساد الإسرائيليّ يقف خلف مقتل محمد سرور”.

هذا ويُذكر أن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الأميركيّ قد رصد مكافآت تتراوح بين الـ 5 و10 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدي إلى “تعطيل الآليات المالية لحزب الله” وضمنًا كوادره التي دأبت الولايات المتحدة على وضعهم على لائحة العقوبات. في حين كان استهداف أي منهم يحصد شجب الحزب من دون الانجرار الى الكشف عن علاقته بهم أو نعيهم بصورةٍ رسميّة، ولكن في الوسط الشعبي المؤيد للحزب ينظر إليهم كداعمين للحزب.

تفتيت البنية الماليّة: خارجيًّا وداخليًّا
واستهدفت إسرائيل مرات عدة وتحديدًا في الأسبوعين الأخيرين، شاحنات وصهاريج تابعة لحزب الله قرب الحدود اللّبنانيّة – السّوريّة، حيث يتمركز الحزب على الجانبين، وذلك في قطع طرق إمداد حزب الله في سوريا. والمفارقة أن الجبهة التالية الّتي تحاول إسرائيل فتحها، هي الجبهة السّوريّة على الرغم من كون الأخيرة لم تنخرط حتّى اللحظة في أي من جبهات الإسناد، وبهذه الطريقة، ستنتقل إسرائيل من مرحلة “تفكيك الجبهات” بالمعنى السّياسيّ إلى تفكيكها على الأرض من خلال اختراق الأراضي السّوريّة، وضرب الحزب داخلها. في حين أن الهدف النهائيّ لإسرائيل هو تفكيك “محور الممانعة”. ولهذا السبب، فإن إمكانية التدخل العسكريّ في أجزاء معينة من سوريا مطروحة على الطاولة، بالرغم من كل محاولات النظام السّوريّ بالنأيّ بنفسه.

أما داخليًّا، فاستهدفت إسرائيل عدّة فروع لـ “القرض الحسن” في الضاحيّة الجنوبيّة في موجات الغارات الجويّة المستمرة، وذلك شأنها شأن باقي مؤسسات الحزب الاجتماعيّة والإعلاميّة والغذائيّة فضلًا عن مراكزه العسكريّة. ولمّا كان الحزب حتّى اللحظة لا يُدلي بأي تصريح بما يتعلق بالأضرار الّتي لحقت قطاعه المصرفيّ الخاص، إلّا أنّه وفق التقديرات، فإن الحصار العسكريّ (أو الاستراتيجيّ) الذي فرضته إسرائيل، برًّا وجوًّا على الحزب كما أسلفنا، قد يمتد ليشمل مصادره الماليّة، مما قد يؤثر حتمًا على مقدرته الماديّة ويزيد من حدّة الاضطراب في إدارة المرحلة الحالية من الحرب.

أهمية البنية الماليّة
حين بدأت المصارف اللبنانية في وضع حد للسّحوبات بالدولار الأمريكيّ في تشرين الأول 2019 وفرض ضوابط غير رسميّة على رؤوس الأموال، قرّر العديد من المودّعين سحب أكبر قدر ممكن من الدولارات. ومنذ ذلك الحين، سحب اللبنانيون من المصارف ما يقدَّر بنحو 6 مليارات دولار نقدًا، وسعى الحزب إلى الاستفادة من هذا الاحتياطيّ النقديّ العام غير الرسميّ. ومن جملة الاستراتيجيات الّتي لجأ إليها، هي تشجيع قاعدته على استخدام مؤسساته الماليّة لتبادل أموالهم وإيداعها – لا سيما مؤسسة “القرض الحسن” التي صنفتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب وأصبحت مركز الصيرفة الرئيسي لحزب الله والبديل عن المصارف لقاعدته.

وبحكم أن هذه المؤسسة ليست مصرفًا أو مؤسسة ماليّة، لذا فهي لا تتلقى الأموال من المصرف المركزيّ أو من أي جهازٍ رسميّ آخر من أجهزة الدولة. ويسمح لها هذا الترتيب بوضع قواعدها الخاصة، وعقد صفقاتها الخاصة، إضافةً إلى تعزيز اقتصاد حزب الله ونظامه المالي. إلّا أن الأزمة الماليّة اللّبنانيّة الّتي تفاداها الحزب ورهطٌ من قاعدته الشعبيّة -نسبياً- منذ العام 2019 حتّى اليوم، قد يضطر الحزب إلى أن يعيشها اليوم مع الحرب الإسرائيليّة، بالضرب المنهجيّ لموارده الماليّة وأهمها “القرض الحسن” الذي يعمل كمصرفٍ كبير مع عشرات الفروع وماكينات السّحب الآليّ (ATM) الخاصّة به، والّتي أصبحت الآن “تحت الأنقاض”.