خاص- بعد خطاب نعيم قاسم… هل يحوّل “حزب الله” لبنان إلى غزة ثانية؟
في خطابه الأخير، أكّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، على استمرار المقاومة في مواجهة إسرائيل، مع التشديد على عدم تراجع الحزب عن الدفاع عن سياساته وإجراءاته العسكرية.
في هذا السياق، يُطرح سؤالًا ملحّ: هل يعكس خطاب قاسم نية حقيقية في تحويل لبنان إلى “غزة ثانية”، محاصرة ومعزولة، تحت تأثير الصراع العسكري والسياسي؟
1. الخطاب الشعبوي ومسار العنف
يبدو أن تصريحات قاسم تأخذ منحىً تصعيديًا يؤكّد على أولوية العمل العسكري في مواجهة التحديات الإسرائيلية.
ومن خلال التأكيد على استمرارية المقاومة مهما كانت الضغوط، يُظهر الحزب رغبة في مواصلة التصعيد العسكري، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار لبنان وعدم تدمير ما تبقّى من الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب.
وهذا النهج يجعل من لبنان هدفاً دائماً للعمليات الإسرائيلية، ويحول المناطق الجنوبية كما الضاحية إلى ساحة قتال دائمة، تماماً كما هو الحال في غزة.
هذا الخطاب قد يجذب قسمًا من أنصار المقاومة، ولكنه يغفل عن الواقع الاقتصادي والسياسي المتردي في لبنان.
وما يغفل عن الشيخ نعيم أن لبنان يواجه انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوق، وسياسات حزب الله التصعيدية تُفاقم هذا الوضع من خلال جر لبنان إلى مزيدٍ من الصراع والحصار الدولي.
لذا، فإن الاستمرار في هذا النهج قد يجعل من لبنان دولة محاصرة ومعزولة على غرار غزة، وهو سيناريو لا يخدم حتى جمهور “المقاومة” النازحين الى المدارس الرسميّة والساحات العامّة منتظرين فراشًا من هنا وحصّة غذائية من هناك.
2. السياسة الدفاعية أم المواجهة المستمرة؟
في خطابه، لفت قاسم إلى أن المقاومة هي الخيار الوحيد المتاح للحزب في مواجهة إسرائيل. لكن هذا الطرح يُظهر إصرارًا على جعل المقاومة سلاحًا دائم الاستخدام دون أي محاولة لفتح باب الدبلوماسية أو الحوار السياسي، وهذا النهج يتجاهل تجارب سابقة في المنطقة أثبتت أن التصعيد العسكري المستمر لا يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والتوتر والدماء.
إن تحويل لبنان إلى غزة ثانية يعني الإصرار على مواجهة لا نهاية لها، حيث لا توجد حلول سياسية في الأفق، بل تعتمد فقط على المقاومة المسلحة، وهذه الاستراتيجية تتجاهل الأبعاد الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان، حيث أصبح البلد على حافة الانهيار بسبب الضغوط الداخلية والخارجية.
3. الحصار والعزلة: هل هو الخيار الأفضل؟
تُعتبر غزة اليوم نموذجًا للمعاناة تحت الحصار الإسرائيلي والدولي. الوضع في القطاع يعكس تجارب عشرات السنين من الصراع المستمر، والذي أدى إلى عزلة القطاع عن العالم وتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي.
خطاب قاسم الذي يُظهر استعداداً لاستمرار المقاومة بأي ثمن، قد يكون إشارة إلى أن لبنان قد يسلك طريقًا مشابهًا لا بل نفس الطريق إذا لم يُفتح باب للحلول السياسية.
هذا الطرح يثير تساؤلات حول مسؤولية حزب الله تجاه لبنان كدولة بكاملها، وليس فقط كحركة مقاومة، فهل يريد حزب الله حقًا أن يجر لبنان إلى مصيرٍ مشابهٍ لغزة، حيث يعيش الناس في ظروف معيشية صعبة بسبب الحصار وتدمير البنية التحتية؟
4. تداعيات محلية ودولية
الاستمرار في هذا التصعيد يضع لبنان في موقف صعب دوليًا، العقوبات المفروضة على حزب الله والعلاقات المتوترة مع العديد من الدول العربية والغربية قد تؤدي إلى مزيد من العزلة الاقتصادية والسياسية. وفي الوقت الذي يسعى فيه لبنان للحصول على مساعدات دولية للخروج من أزمته الاقتصادية، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة لمواجهة المزيد من القيود بسبب السياسات التصعيدية التي يتبعها الحزب.
الخاتمة
خطاب نعيم قاسم يُظهر بوضوح التزام حزب الله بخيار المقاومة المسلحة كاستراتيجية دائمة في مواجهة إسرائيل، لكنه يغفل عن التداعيات الكارثية لهذه السياسة على لبنان ككل.
تحويل لبنان إلى “غزة ثانية” يعني استنزاف الدولة في صراعٍ طويل الأمد لا يخدم سوى المزيد من العنف والتدمير، فلبنان يحتاج اليوم إلى حلول سياسية واقتصادية تخرجه من أزمته الحالية، وليس إلى تكريس خيار المقاومة الذي قد يحوله إلى منطقة محاصرة ومعزولة مثل غزة.