خلاف فرنسي – أميركي على تسليح إسرائيل واستمرار الحرب

خلاف فرنسي – أميركي على تسليح إسرائيل واستمرار الحرب

الكاتب: رندة تقي الدين | المصدر: النهار
7 تشرين الأول 2024

تندرج مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة لحضها على وقف حربها في غزة ولبنان، في إطار سعيه منذ أشهر إلى وقف النار. فماكرون الذي لطالما تخوف من التصعيد في لبنان حاول تعبئة الحليف الأميركي من أجل ذلك، لكنه رغم حصوله على بيان مشترك مع نظيره الأميركي جو بايدن حول هدنة ٢١ يوما، لم يستطع تحصيل وقف تصدير الولايات المتحدة الأسلحة إلى إسرائيل.

ينبع رد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما نصح به ماكرون حلفاءه علنا، من غطرسته المعهودة في خطاب علني بعيد كل البعد عن الديبلوماسية. والموقف الفرنسي الذي عبّر عنه ماكرون يعكس سياسة فرنسية ديغولية تقليدية ليست منحازة إلى إسرائيل، وتبحث عن السلام في المنطقة. لكن المشكلة أن الرئيس الفرنسي يواجه وضعا داخليا متراجعا وسط طبقة سياسية معظمها يؤيد إسرائيل في شكل أعمى، كما أن ماكرون يواجه موقفا أميركيا مساندا لإسرائيل. فبايدن ومبعوثه إلى المنطقة آموس هوكشتاين مقتنعان بأن إسرائيل قد أنهت “حزب الله” وأن مسعاها لإغلاق الحدود والمعابر بين لبنان وسوريا أمر يساعد على وقف مرور الأسلحة الى البلد. وباريس مدركة أنه لا يمكن كما تقول إسرائيل والإدارة الاميركية إنشاء لبنان جديد مع أكثر من مليون نازح من الشيعة اللبنانيين المشردين في الشوارع، وسط حرب مستمرة وبلد يعاني فراغا رئاسيا. ولدى سؤال الأوساط الفرنسية المسؤولة الإسرائيليين عن نياتهم، يزعمون أن الحرب مسألة أيام قليلة.

سيعقد ماكرون مؤتمرا خلال هذا الشهر لدعم النازحين والجيش، ولكن إلى من تقدم الأسرة الدولية الأموال في غياب رئيس وحكومة جديرة بثقة هذه الأسرة الدولية؟ صحيح أن الإدارة الأميركية وافقت على المشاركة في هذا المؤتمر، لكن تأييدها استمرار إسرائيل في الحرب على لبنان يناقض نيتها. ورغم أن لا ماكرون ولا الطبقة السياسية الفرنسية يؤيدان “حزب الله” وإيران، فعندما اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان موقف باريس متحفظا جدا.

والواقع أن علاقة فرنسا بإيران متوترة بسبب الرهائن الفرنسيين في طهران وما تقوم به في لبنان والمنطقة، علما أن لقاء ماكرون الرئيس الإيراني في نيويورك كان إيجابيا. وفرنسا لا ترغب في الحرب في المنطقة وقد تشارك في الدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم إيراني، لكن باريس تبذل كل الجهود من أجل وقف الحرب على لبنان، أولا لأن لفرنسا ٧٠٠ جندي فرنسي في “اليونيفيل”، ثم إن للبلد علاقة تاريخية بلبنان ومصالح فرنسا فيه سياسية وجيواستراتيجية.

فماكرون على اقتناع بأنه ينبغي للبنانيين أن يتّحدوا لانتخاب رئيس بسرعة، ورسالته للبنانيين هي انتخاب رئيس وتشكيل حكومة فورا، ولا يجوز المزيد من الانتظار لتلقي المساعدات، وإلا فكيف يوزع الدعم؟ وباريس مدركة عبر اتصالاتها برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن ليس هناك اسم توافقي حتى الآن. لكنها ترى أن على اللبنانيين ألا ينتظروا دول الخليج أو الغرب لإيجاد الرئيس التوافقي، لأن لا مصلحة للخليج في التدخل في اختيار الرئيس التوافقي، وفي مثل هذه الأوقات العصيبة يجب أن يتّحد اللبنانيون لاختيار الرئيس الذي قد يحصل على ثقة المجتمع الدولي.

وفي رأي بعض النافذين في باريس أن قائد الجيش جوزف عون شخصية جيدة وحاجة الجيش إليه اليوم أكثر من الحاجة إليه في رئاسة الجمهورية، فهو يحظى باحترام دولي وعربي لمساعدة المؤسسة العسكرية، وقد يكون من الأفضل أن يبقى على رأس المؤسسة العسكرية، لكن رأي فرنسا أن الأهم هو الاتفاق على رئيس بسرعة ووقف المماطلة في ذلك. والإدارة الاميركية تشارك باريس في جهدها على هذا الصعيد، حتى إن بايدن قال علنا إن الإدارة الأميركية تعمل مع فرنسا في لبنان.
لكن الاختلاف بين الإدارة الاميركية وفرنسا سببه استمرار مد إسرائيل بالسلاح في كل من غزة ولبنان. والسؤال الآخر بعد رد نتنياهو على ماكرون بهذا الشكل: هل يعلن أخيرا الرئيس الفرنسي اعترافه بفلسطين؟ فهو كان يتردد في ذلك إذ يرى أنه ليس مفيدا في هذه الأثناء أن يعترف بفلسطين لأنه لن يغير الأمور، وما زال يريد بذل الجهود لإنشاء الدولتين، وكان يحتاج إلى البقاء على تواصل مع نتنياهو ديبلوماسيا. لكن تعنت الأخير والوضع الفرنسي الضعيف في ميزان القوى العالمي في وجه إدارة إميركية منحازة إلى إسرائيل، يعرقلان مسعى ماكرون لوقف الحرب، علما أنه الوحيد في العالم يتحرك من أجل لبنان.