Who is next؟

Who is next؟

الكاتب: نديم قطيش | المصدر: اساس ميديا
30 أيلول 2024

النجاحات الأخيرة التي حقّقتها إسرائيل ضدّ الحزب وإيران، عبر ضربات أمنيّة بالغة الدقّة، تحفّزها على التفكير خارج صندوق الاستراتيجيات العسكرية التقليدية. في ضوء ذلك، تُلمّح عبارة “ذراع إسرائيل الطويلة” التي كرّرها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أكثر من مرّة، وضمّنها في خطابه للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى خيارات كانت تُعتبر سابقاً، محفوفة بالمخاطر الكبرى، لكنّها باتت اليوم تدرج ضمن الاحتمالات الممكنة، كضرب إيران مباشرة.

لم تعد عقيدة “ضرب رأس الأخطبوط” التي تحدّث عنها رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت مجرّد نظرية سياسية، بل خيار ممكن، في ضوء ترهّل صورة الاقتدار الإيراني وتداعي هيبة الردع.

تتمحور عقيدة “رأس الأخطبوط” حول نقل التركيز الاستراتيجي لإسرائيل من التعامل مع أذرع الأخطبوط، كالحزب وحماس والميليشيات الأخرى في الشرق الأوسط، إلى استهداف إيران مباشرة، بوصفها المصدر الأساسي للتهديدات التي تواجهها إسرائيل.

اختراق الحرس الثّوريّ

يتغذّى هذا المنحى من افتضاح حجم الاختراق الإسرائيلي الواسع لصفوف الحرس الثوري الإيراني، الذي ظهر جليّاً في أكثر من محطّة، كان آخرها تحديد موقع الأمين العام للحزب. الاعتقاد السائد أنّ نصرالله ذهب ضحيّة اختراق أمن مرافقه الإيراني نائب قائد الحرس الثوري عباس نيلفروشان الذي قضى معه نتيجة الغارة الإسرائيلية.

ليست لدى إيران ضمانة بأنّ قدرة إسرائيل تقف عند حدود اختراق صفوف الحرس الثوري الإيراني والأمن الداخلي وشبكات الاتصالات الإيرانية وسلاسل إنتاج البرنامج النووي. بعد عملية تفجير أجهزة “البيجر” في لبنان، والتفكيك الممنهج وشبه التامّ للبنية العسكرية للحزب، وتصفية أصول عسكرية وأمنيّة إيرانية رئيسية، والشكوك التي عادت تحيط بظروف مقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي في حادث تحطّم طائرته… لا تستبعد إيران أن يكون قائدها في دائرة الخطر المباشر.

هذا الرعب المسيطر على إيران وصل إلى حدّ نقل المرشد إلى مكان آمن بعد نبأ اغتيال نصرالله. وعزّز من حيث لا تريد طهران ثقة إسرائيل بأنّها تمتلك القدرة على تنفيذ ضربة أكبر ومباشرة ضدّ طهران دون مواجهة ردود انتقامية ساحقة.

سقوط “وحدة السّاحات” المدوّي

زد على ذلك أنّ إيران لم تردّ على قتل قاسم سليماني بما يليق بحجم الضربة. وبالغت في الاتّكال على “الصبر الاستراتيجي”، لا سيما بعد اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في إيران. حتى تولّدت القناعة بأنّها عاجزة عن الردّ، ولا تملك أدواته.

وعليه، تلقّت صورة إيران كقائدة لـ “محور المقاومة” ضربات موجعة بسبب عدم قدرتها على الردّ بفعّالية على الضربات الإسرائيلية لأصولها في سوريا ولبنان. وهو ما يشير إلى أنّ تأثيرها بدأ يتآكل، بما يجعلها هدفاً أكثر هشاشة لعملية عسكرية مباشرة.

أفضى ذلك إلى السقوط المدوّي لنظريّة “وحدة الساحات” الإيرانية، التي بدت بعد عام على حرب غزة أقرب إلى عنوان تعبويّ منها إلى واقع ميداني على الأرض.

روّجت إيران في السنوات القليلة الماضية لمفهوم “وحدة الساحات”، الذي يفترض أنّ أيّ هجوم على أحد وكلاء إيران، سواء كان الحزب أو حماس أو الميليشيات الشيعية في العراق أو اليمن، سيتبعه ردّ منسّق عبر جميع الجبهات. لتكشف الحملات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا ولبنان والعراق واليمن عن محدودية هذا المفهوم.

قد تُفسّر إسرائيل هذا الفشل أنّه علامة على ضعف قدرة إيران على التحكّم بميليشياتها، وأنّ ضربة مباشرة عليها قد لا تؤدّي إلى الردّ الإقليمي المنسّق الذي تهدّد به طهران.

تردّي القاعدة الاجتماعيّة داخل إيران

يضاف إلى هذا التردّي في علاقات إيران مع وكلائها تردٍّ مماثل في تماسك القاعدة الاجتماعية للنظام. فإيران المنهكة والتي تعاني من تآكل شرعية نظامها السياسي كما ظهر في عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، تشكّل مادّة إغراء لإسرائيل للعبث معها والاصطياد في مياهها لتجنيد العملاء والجواسيس والانقلابيين وخلاف ذلك.

تجتمع النجاحات العسكرية الأخيرة لإسرائيل ضدّ الحزب، مع ضعف صورة إيران المتزايد، وتبدُّد هيبتها. لتعزّز قناعة إسرائيل بأنّ الوقت مناسب لتوجيه ضربة لرأس المحور، بالتوازي مع سياسة تحطيم وكلائها، أو في أعقاب إنجاز القسم الأبرز من مهمّة الإجهاز. ولا شيء يمنع أن تحمل هذه الضربة نفس عناصر الدقّة والمفاجأة التي رأيناها، لكن ضدّ البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية هذه المرّة. وعلى نحو يمنع إيران من تنسيق هجوم مضادّ فعّال.

لم يكن من باب الصدفة أنّ إسرائيل، وخلافاً لرأي حلفائها الأميركيين والعرب، أمعنت في مهاجمة إيران ونجحت في الوصول إلى أهداف سبق لها أن آذت هؤلاء الحلفاء. كمثل من تورّطوا في الهجمات على أصول أميركية أو أوروبية أو خليجية.

لقد كان الموقف الأميركي قبل اغتيال نصرالله شديد السلبية ضدّ نتنياهو، بسبب رفضه المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، لينقلب الأمر بعد الاغتيال رأساً على عقب، ويتسابق الساسة الأميركيون لتأييده والثناء على قراراته.

قد تتصوّر إسرائيل أنّ في ذلك ما يوفّر لها غطاءً سياسياً ودبلوماسياً لتنفيذ عملية جريئة لا تهدّد علاقاتها بحلفائها الإقليميين والدوليين، وتثبت من خلالها أنّ الفوائد الطويلة المدى لتحييد إيران تفوق المخاطر الفورية لهذا القرار.