“مسؤولية” بري في التقاط اللحظة الحرجة
تعاظم دور رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر من أي طرف سياسي في الداخل بعد التطورات الدرامية التي طاولت خاصةً الشق الآخر من الثنائي الشيعي، على رغم عدم سهولة التعامل مع وضع حربي متفجر ومتواصل مع ما لهذا الوضع من انعكاسات كارثية على مستويات مختلفة وتحمل مسؤولية إدارة البيئة الشيعية واستيعاب مأساتها أقله حتى في المرحلة الراهنة وحتى يلملم الحزب نفسه.
في هذا الجانب تحديداً، وإزاء تركيز الإعلام الداخلي والخارجي على حد سواء وبقوة على رد الفعل الذي ستقوم به إيران على اغتيال السيد حسن نصرالله وتقويض “حزب الله”، فإن الخطورة تكمن في التسليم أو الإيحاء بأن قرار الطائفة الشيعية ككل مرتبط فقط بإيران وبمصالحها من دون إغفال أو تجاهل عضوية ارتباط الحزب بإيران واستهدافها باستهدافه. ولكنّ هناك خيطاً رفيعاً لالتقاط بري الفرصة لتظهير القرار اللبناني أيضاً في موضوع اغتيال نصرالله الذي هو في الواقع مسألة لبنانية أيضاً ولها انعكاساتها الكبيرة عليه فيما برز انتظار ما إن كانت إيران ستذهب الى حرب أوسع أم لا مع إسرائيل نتيجة استهدافها للحزب توظيفاً إيرانياً كبيراً للبنان.
عزز ذلك المواقف التي أطلقها المرشد الإيراني علي خامنئي في بيانه عن اغتيال السيد نصرالله من أن لبنان هو الذي سيرد وفصائل المقاومة في المنطقة. والأمر ليس سهلاً بل دقيق جداً لا سيما في الظروف الراهنة، ولكن إن لم تكن مصلحة لبنان راهناً هي الأساس، فعلى الأقل فإن بيئة الحزب المجروحة والنازفة مهجرة أيضاً وتعاني النزوح والألم ومصلحتها في الاعتماد أكثر فأكثر على الدولة ومؤسساتها.
ومع أن التوجه للطائفة الشيعية صعب في هذه الظروف، فإن المخاوف من فتنة داخلية غالباً ما أعقبت اغتيالاً طائفياً بهذا الحجم على رغم مسؤولية إسرائيل المعلنة عنه، كبيرة أيضاً ولو أن الإعلام انشغل بالحرب الاسرائيلية. ولكن الكثير من المعطيات تحدثت عن وضع دقيق شاع البعض منه فيما زعماء ومسؤولون روحيون وسياسيون التزموا الصمت تهيّباً من الانجرار الى ما يكون الهدف الحقيقي لإسرائيل بإثارة فتنة داخلية كذلك تقوّض ما بقي من لبنان.
يستطيع الرئيس نبيه بري أن يبادر وعليه أن يبادر وفق ما يرى سياسيون كثر، فيلتقط اللحظة ليس لنقض المقاربة التي اعتمدها السيد نصرالله، بل واقع أن الأخير دفع حياته ثمناً لها بل لمراجعتها، وغالباً ما يتيح التغيير في موقع ما الخروج الى سياسات جديدة ممكنة مع القيادة الجديدة المحتملة لدى الحزب. فإيران أعلنت أنها ستساعد على اختيار أمين عام جديد للحزب على رغم اقتناع شبه كامل بأنها من سيتولى التعيين وهي لن تذهب الى حرب مباشرة مع إسرائيل.
وتالياً فإن التقاط اللحظة محتمل بمبادرة تنسف ما كان قبل التطورات الاخيرة من تصلب في الموقف إزاء انتخاب رئيس للجمهورية باتت الحاجة إليه ماسة أكثر من أي وقت مضى. وتستند وفق ما يقول هؤلاء الى التقاط بري الموقف الذي عبّر عنه غالبية الأفرقاء الداخليين من تضامن في الدرجة الأولى وفي موقف لافت ومعبّر من الرئيس سعد الحريري على رغم ما ناله على المستوى الشخصي من جانب الحزب وفق ما شرح في كلمته.
الفرصة ستكون متاحة من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية بناءً على وقف الهجمات عليها باعتبار أن لبنان لا يمكن أن يسمح بتقويضه ربطاً بغزة أو دعماً لحركة “حماس” وثمة مخارج كثيرة لذلك بناءً على التطورات الأخيرة واستدعاء وساطات الدول الصديقة للبدء بالعمل على ما كان بري اتفق عليه مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين استناداً الى الموافقة على وقف النار الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة وفرنسا.
والاعتماد على الجيش اللبناني من أجل المحافظة على السلم الأهلي سيشكل دافعاً إضافياً لمساعدة النازحين الجنوبيين على العودة وطمأنتهم كذلك. فهذا سيكون من مصلحة الحزب لا سيما في هذه المرحلة ومصلحة لبنان وربما أيضاً من مصلحة طهران التي قال مسؤولوها إنها ستنكب في المرحلة المقبلة على إعادة بناء هيكلية الحزب، ولو أن اللبنانيين يأملون تغييراً جوهرياً في مقاربة طهران إزاء ذلك.