السَّلامة الغذَائيّة في لبنان على صفيح ساخن!
يعود الفساد الغذائي إلى سنين طويلة، وفي كلّ فترة يظهر للعلن من جديد بسبب عدم ارتداع المواطنين من القوانين فضلاً عن افتقاد الهيئة اللبنانيَّة لحماية الغذاء لدورها.
لحوم فاسِدة، موادّ غِذائيَّة منتهية الصَّلاحية… والنتيجة تَّلاعب بِصحَّة المستهلك. جميعها سيناريوهات تتصدَّر المشهد بين الحين والآخر، وآخِرُها كان نهار الإثنين، الواقع في ١٩ من شهر آب (أغسطس) الجاري، حين ضبطت السلطات المختصّة في داخل مستودعات أحد أكبر التُّجار في سوق القمح في #طرابلس كمیّات كبیرة من الموادّ الغذائیَّة منتھیة الصَّلاحیة، وسَّطرت دوریَّات دائرة الرَّقابة الصّحیَّة بحقّه محضر ضبط…
لكن السُّؤال يبقى: “ماذا يأكل اللبنانيون؟”.
الفساد الغذائي في لبنان، سيناريو يتكرر دائماً…
المثير في الأمر أنَّ ما حصل في طرابلس لم يحدث للمرَّة الأولى، بل تأخذ السلامة الغذائية والرَّقابة على الأطعمة حيِّزاً واسعاً من المشهد الوطني كلّ فترة. وهذه المرَّة تمثلت الحادثة ببيع سلع منتهية الصَّلاحية منذ العام ٢٠١٦، بعد تزوير تاريخ صلاحيَّتها.
وفي الأشهر الماضية، تمَّ إقفال وختم العديد من الملاحم بالشَّمع الأحمر في عددٍ من المناطق، ضمن قضاء النَّبطيَّة، بسبب عدم مطابقة سلعهم للشروط الصحية، كما تمّ تسطير محاضر ضبط بحقّ أصحابها، إمَّا لشروعهم ببيع اللحم المُثلَّج، وإمَّا لبيعهم اللحم الهندي، وهذا ما يُسمَّى بـ”الغشّ التِّجاري”…
صِحَّة المواطن بين جودة الغذاء و السلامة الغذائية…
في سياق متّصل، أَوضح عضو لجنة الصَّحة النِّيابيَّة، النَّائب عبد الرحمن البزري، في حديثٍ لـ “النهار” الفرق بين “السَّلامة الغِذائية” و”جودة الغِذاء”. بدايةً، شرح البزري أنَّ عبارة “غذاء غير سليم” تعني أن الغذاء من الممكن أن يُحدث ضرراً بالصحة، إما نتيجةً لوجود تلوُّث جرثوميّ، وإمّا بسبب وجود مُركَّبات، يخلق استهلاكُها ضرراً بالصحة العامة، وإمَّا بسبب طريقة التوضيب والتعليب بمواد حافظة.
وأضاف أنَّ الغذاء غير السليم ليس فاسداً بالضرورة، إنَّما من الممكن أن يتمّ حفظ المنتج بطريقة خاطئة، ممّا يجعله غير صحيح، لافِتاً إلى أنَّ السلامة الغذائية تتعلق بالغذاء نفسه وبطريقة تخزينه، بالإضافة إلى طريقة نقله وصولاً لطريقة بيعه.
تصنيف الغذاء على أنَّه غير مطابق للمواصفات…كيف تتم العمليَّة؟
أمَّا في ما يخصّ تصنيفات وزارة الاقتصاد، فيوضح عضو لجنة الصَّحة النِّيابيَّة بأن الوزارة تحدّد الغذاء غير المطابق للمواصفات بالاعتماد على نقطتين أساسيَّتين:
أوَّلاً، يُمكن أن يكون الغذاء غير سليم.
ثانياً، من الممكن أن يكون سليماً، لكنه غير مطابق للمواصفات، بما معناه أنَّ هناك احتمالاً بأن تتضمن الموادّ المستخدمة في تصنيع منتج معيّن موادّ غير ضارة لكنها غير مُطابقة بالنسب او بالموادّ المستعملة. وهنا تكمن حالات الغش!
بين انتهاء الصلاحية و الـ”best consumed”…فرصة لتلاعب بعض التُجَّار!
علاوةً على ذلك، في ما يخصّ كلمة “انتهاء الصلاحية”، شدّد البزري على أنَّها كلمة مطَّاطة ومقسومة لقسمين: إمَّا انتهاء صلاحية المادة المستعملة، وإما صلاحيَّة التوضيب. وفي السياق، تطرَّق إلى عبارة “best consumed” قائلاً إنَّها عبارة يتمّ وضعها على تاريخ صلاحيَّة بعض المنتجات، وتشير إلى أنَّ أفضل استعمال للمنتج هو ضمن الوقت المذكور. وعند تجاوُز المُدَّة يُفتَرَض بالتَّاجر أن “يسحبها من الستوك”. لكن ما يحصل في لبنان عكس ذلك، إذ يتَّجه التاجر إلى تغيير تواريخ السلع منتهية الصلاحية، ويضع تواريخ جديدة من دون علم أحد، وهذا ما حدث في طرابلس.
وختم بأنَّ من مسؤولية مصلحة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد أن تحمي المواطنين بالسعر، الجودة، المواصفات، تاريخ الاستهلاك والمواد التي من الممكن أن يكون لديها تأثيرات على الجسد…
أبو حيدر: ضرورة تشكيل هيئة لبنانيَّة لسلامة الغذاء اليوم قبل الغد
بدوره، أوضح المدير العام لوزارة الاقتصاد والتِّجارة، الدكتور محمد أبو حيدر، لـ”النَّهار” أنَّ وزارة الاقتصاد قد ضبطت العديد من المحالّ والمستودعات والمصانع غير المُشرَّعة وغير المُرخَّصة، والتي تستغلّ معاناة المستهلكين الذين لا يملكون ثمن البضاعة بالسِّعر المتاح في الأسواق، شارحاً بأنَّ هؤلاء التجار يلجؤون إلى المضاربة غير المشروعة ببضائع غير مستوفية للشروط، فتتم إحالتهم إلى القضاء المختصّ.
أمَّا في ما يخصّ قانون سلامة الغذاء وتشكيل هيئة لبنانيَّة للسَّلامة الغذائيَّة، فشدَّد أبو حيدر على أهميَّتها، معتبراً أنَّ المدخل إليها هو “قانون الشَّهيد باسل فليحان” (قانون سلامة الغذاء ووضع أطر صُحيَّة) مشدِّداً على ضرورة تشكيلها اليوم قبل الغد، لأنَّها تُشكِّل عنصر التَّنسيق والانضباط بين وزارة الصَّحة بالمرتبة الأولى، تليها وزارة الاقتصاد، ثمَّ الصِّناعة، والزَّراعة، ووزارة الدَّاخليَّة والبلديَّات.
في المُحصِّلة، تضاعفت حالات الفساد الغذائي في الأسواق اللبنانيَّة خلال السَّنوات الأخيرة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، مما يرفع نسبة الخطر المتعلق بالأمن الغذائي للبنانيين.