خاص- القرار 1701: كلٌ يقرأ في كتابه
أسابيع قليلة بعد إعلان “حزب الله” الحرب على إسرائيل إسنادًا لغزة في الثامن من تشرين الأول الماضي، ارتفعت أصوات الحكومة اللبنانية مطالبة بتطبيق القرار 1701 من الجانبين، علمًا أن هذه الحكومة نفسها أكدت بلسان رئيسها أن لا علاقة لها بقرار الحرب، فيما ارتضت لنفسها في ما بعد أن تتحوّل ناطقة بلسان “حزب الله” ومتحدثة باسمه في المحافل الدولية ومع المبعوثين الدوليين الذين يزورون لبنان.
الغريب في الأمر أن الجميع بات يعزف لحن القرار 1701 ويطالب به ويعلن الالتزام به كمقدمة لوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية: فالأمم المتحدة التي تضم الدول الكبرى المؤثرة على الساحة العالمية، والجامعة العربية التي سعت لفصل الحرب على غزة عن الحرب في جنوب لبنان، والحكومة اللبنانية ومن خلفها “حزب الله” بالتأكيد، والحكومة الإسرائيلية التي يحارب جيشها على جبهات عدة، كل هذه الأطراف اختلفت على العديد من القضايا واتفقت على ضرورة تطبيق القرار 1701 والاستعداد للالتزام به كشرط لوقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية، علمًا أن “حزب الله” يظل مضطرًا ولو من الناحية الإعلامية لربط جبهة الجنوب بجبهة غزة انطلاقًا من النظرية الإيرانية المتصدّعة لوحدة الساحات في محور الممانعة.
ولكن هذا الإجماع لا يعكس حقيقة الواقع، لأن كل طرف ينظر الى تطبيق القرار 1701 من منظاره، ما جعل عمليًا هذا القرار يتفرّع الى قرارات يتمسّك كل طرف بصيغة منها:
فمن وجهة نظر الحكومة اللبنانية و”حزب الله” فإن تطبيق الـ1701 يعني وقف إطلاق النار على الحدود والعودة الى الوضع الذي كان قائمًا على الحدود بعد حرب تموز 2006، أي بقاء عناصر “حزب الله” مع سلاحهم في القرى الحدودية بحجة أنهم أبناء هذه البلدات ومن الطبيعي أن يبقوا مع كامل ترسانتهم العسكرية في بيوتهم، مع تقديم تعهّد شكلي بعدم مهاجمة المستوطنات الشمالية في إسرائيل.
من وجهة نظر إسرائيل توحي تصريحات مسؤوليها أن تطبيق القرار يعني إبعاد “حزب الله” عن الحدود مسافة 10 كيلومترات تقريبًا لضمان عدم تعرّضها لهجوم مشابه لـ”طوفان الأقصى” الذي شنته حركة “حماس” على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول الماضي. إلا أن هذا المطلب الإسرائيلي “المتواضع” لا يبدو مقنعًا لـ”حزب الله”، خاصة وأن إسرائيل تدرك جيدًا قدرات الحزب العسكرية وتعلم يقينًا أن معظم ترسانة “حزب الله” الصاروخية تتجاوز هذه المسافة، وأن عناصر الحزب ستكون قادرة على تجاوز الكيلومترات العشرة في غضون دقائق إذا أرادت الوصول الى الحدود. لذلك ينظر الحزب بعين الريبة الى هذا الشرط الإسرائيلي ويعتبره دفعة على الحساب، أو ربما مقدمة لشروط أخرى قد تفرضها إسرائيل بعد موافقة “حزب الله” على شرطها الأول لوقف الحرب.
على الضفة الدولية، وتحديدًا في الأمم المتحدة، لا بد من التذكير بأهم بنود القرار 1701 الذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي في 11 آب 2006 ووافقت عليه الحكومة اللبنانية بالإجماع و”حزب الله” أيضًا في االيوم التالي، لمعرفة حقيقة مطالبة المجتمع الدولي بتطبيقه:
-يؤكد البند الثالث من القرار على “أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وفق أحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1608 (2006)، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، وأن تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان”.
-يؤكد البند الخامس “تأييده الشديد، حسب ما أشار إليه في جميع قراراته السابقة ذات الصلة، لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليا، حسب الوارد في اتفاق الهدنة العامة بين إسرائيل ولبنان المؤرخ في 23 آذار 1949″.
-يدعو البند الثامن “إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار من خلال الاحترام التام للخط الأزرق من جانب كلا الطرفين، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”.
كما نص البند نفسه على التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 و 1680 التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية، ومنع وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته، ومنع مبيعات أو إمدادات الأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى لبنان عدا ما تأذن به حكومته”.
-يطلب البند العاشر إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أن يضع، من خلال الاتصال بالعناصر الفاعلة الرئيسية الدولية والأطراف المعنية، مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و 1680، بما في ذلك نزع السلاح، ولترسيم الحدود الدولية للبنان، لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة، بما في ذلك معالجة مسألة منطقة مزارع شبعا، وعرض تلك المقترحات على مجلس الأمن في غضون ثلاثين يوما”.
في ضوء المعطيات الأساسية الواردة في نص القرار، عن أي التزام بالقرار 1701 تتحدث الحكومة اللبنانية يوميًا، وهل هي قادرة على تطبيق مندرجاته فيما لو أصر مجلس الأمن على تطبيقها دفعة واحدة؟ وهل يمكن أن تكتفي إسرائيل ببند انسحاب “حزب الله” الى الليطاني كشرط لوقف الحرب من دون أن تطالب بتنفيذ بقية بنود القرار وعلى رأسها تسليم “حزب الله” سلاحه الى الدولة اللبنانية؟
بناء عليه، يبدو أن إسرائيل التي نجحت في استدراج “حزب الله” الى حرب لا يريدها، لن تفرّط بسهولة في ما تعتبره فرصة قد لا تتكرّر للتخلّص من الحزب، ما يشي بأن الحرب على الحدود لم يحن أوان وقفها بعد، وقد تمتدّ لفترة طويلة تريدها تل أبيب لإخضاع الحزب ولبنان لشروطها.