هل يقبض الإسرائيلي على كل “حياتنا الذكية”؟
لا تهمني مظاهر التضامن الاجتماعي لأنها موقتة. ولا تهمني أشكال الشماتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأنها سخيفة. فالحدث جلل، والتعامل معه يتجاوز هذه الحالة وتلك. الخلافات مستمرة وستطفو مجدداً، ولن تنفع حالات التضامن في تسهيل مسار أي استحقاق داخلي، لا في رئاسة الجمهورية، ولا في إعادة هيكلة المصارف، ولا في استعادة الودائع. حتى الذين يشيدون منذ يوم أمس بالتضامن المجتمعي يعرفون أنه موقت، ولا ينفع في “ترقيع” الحالة الانقسامية في البلاد بطولها وعرضها.
وتعليقاً على أحداث تفجير أجهزة الاتصال أمس وأول من أمس، وفي انتظار جلاء حقيقة ما، في بلد تضيع فيه كل الحقائق، لا بد من التوقف عند بعض نقاط لا يجوز أن تجرفنا التطورات عن الإشارة إليها.
لا بدّ أولاً من السؤال عن كيفية دخول تلك الأجهزة إلى لبنان، من أي معبر، أو عبر المطار، وهل خضعت لتفتيش؟ وهل تم الكشف عليها؟ هل أدخلت بطريقة غير شرعية، ولديها أرقام متسلسلة مسجلة لدى وزارة الاتصالات؟ سؤال يفتح المجال على المعابر الشرعية وغير الشرعية، وعلى التهريب، وعلى سلطة الجمارك. ويفتح السؤال أيضا عن وجود الدولة بمؤسساتها أو غيابها الكلي.
ثانياً، هل أخضع “حزب الله” أجهزة الاتصال المستوردة للفحص الأمني أم وقع ضحية تقصير، ربما لا يحبذ الاعتراف به، أم أنه يعجز عن تلك المهمة ولا يملك الإمكانات؟
تجمع تقارير أمنية مختلفة المصدر، على أن التفجيرات التي وقعت ليس سببها رفع حرارة بطاريات الليثيوم، التي غالبا ما تحترق ولا تسبب كل هذا الأذى، بل إنها ناتجة من تفجر بطاريات مفخخة بأنواع من المتفجرات الشديدة العصف.
والافتراض أن نوعاً من المتفجرات المزروعة في “البايجر”، لا يمكن كشفه عبر آلات الرقابة الحديثة، يستدعي تبدلاً جذرياً في النظرة إلى الحرب والاستعداد لها والإقدام عليها، إذ لا يمكن التهويل بالقدرة على الصمود والمواجهة وتحرير فلسطين، في غياب توازن الحد الأدنى من الإمكانات، لأن ما حصل الثلثاء، أدّى إلى إصابة 3000 شاب في غضون دقيقة، وهذا الأمر يكفي إسرائيل ولا يستدعي منها حرباً من نوع آخر، أو اجتياحاً برياً يكلّفها كثيراً.
إن افتراض وجود هذا النوع من المواد المتفجرة الخفية، يستدعي سؤالا عن إمكان وجود بطاريات ملغومة مماثلة في الهواتف المحمولة، والكومبيوتر المحمول (اللابتوب) والألعاب الذكية وبطاريات الليثيوم للطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، ما يعني حكماً أن البلد كله صار عرضة للتفجير وتحوّل لقمة سائغة بين أيدي العدو الإسرائيلي.
أمس سرت شائعات عن تفجّر هواتف ذكية، وألواح للطاقة الشمسية، وبطاريات ليثيوم موصولة بتلك الألواح، وغيرها، ما دفع اللبنانيين إلى اتخاذ إجراءات الحيطة، عبر فصل أجهزة الطاقة الشمسية وبطارياتها عن شبكة الإنترنت في مرحلة أولى. وستتعطّل كل أشكال التواصل إذا ثبت وجود هاتف واحد مفخخ، وستتعطل الأعمال الاقتصادية والمالية لو ثبت وجود جهاز لابتوب واحد مفخخ، وبالتالي سيخسر لبنان آخر معاركه، إذ إنه يصمد بـ”طلوع الروح”.
هل هي دعوة للاستسلام أمام الاعتداءات الإسرائيلية؟ بالتأكيد لا، خصوصاً متى فقد لبنان ما يسمى “توازن الرعب” ومتى ساد الرعب أوساط اللبنانيين، لأن إسرائيل ستنقضّ حتماً على البلد، وهي تتحيّن الفرصة لذلك، ولكن من الضروري أيضاً بعد كل هذه التطورات درس الخطوات المقبلة بدقة وحكمة، فلا يؤدي أي قرار متهوّر إلى إغراق البلد في جحيم لا قيامة له من بعده.