خاص – سيناريو الحرب الطويلة في لبنان
هل ستقع الحرب الكبرى أو لن تقع؟
هذا هو السؤال الذي يؤرق اللبنانيين، ويجعلهم يعيشون على إيقاع التصريحات والتهديدات التي تطلقها إسرائيل تارة، وعلى أمل اقتراب الحلّ الدبلوماسي تارة أخرى. ويتابعون في الوقت عينه المساعي الأميركية والأوروبية الجارية لمنع الانفجار، فيما الحرب الصغرى مستمرّة في الجنوب منذ قرابة العام.
وبين خياري الحرب الواسعة أو الحلّ الدبلوماسي، هناك خيار ثالث تبحثه إسرائيل، وهو الحرب الطويلة الأمد، سواء في غزّة أو في لبنان. وبهذه الطريقة تتجنّب إغضاب الولايات المتّحدة الرافضة للتسبّب في نزاع إقليمي واسع، ولكنّها تبقي على جاهزيتها وعمليّاتها، بحيث تضعف حركة “حماس” و”حزب الله” على المدى الطويل، وتمنعهما من العودة إلى الوضع السابق بسهولة.
ففي غزّة، انتهت مرحلة الحرب الكثيفة، وتحوّل الميدان إلى قصف أهداف محدّدة أو ضرب بنى لحركة “حماس”، أو تنفيذ عمليّات لمنع إعادة تجميع المقاتلين، وسوى ذلك. ويريد بنيامين نتنياهو الاستمرار في هذه الآليّة وقتاً أطول، بما يمكّنه من إضعاف الحركة وشلّ إمكان قيامها بأي عمليّات أو محاولة إعادة بناء نفسها.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنّه فكّك 22 كتيبة من أصل 24 كتيبة للحركة، وقتل نصف القيادة العسكرية، وقضى على قرابة 17.000 عنصر. كما زعم أنّه تمت السيطرة على 80% من الأنفاق تحت ممرّ فيلادلفي، وجرى تفكيك قدرة الحركة على تصنيع أسلحة.
ويعتبر تقرير نُشر في معهد واشنطن للدراسات أنّ إسرائيل ألحقت خسائر كبيرة بالحركة، ولكن إبعاد “حماس” عن السلطة سيتطلّب حملة طويلة. فالحملات ضد الجماعات الجهادية في أماكن أخرى من العالم تشير إلى أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي حرب عصابات طويلة الأمد ومنخفضة المستوى. ويرى التقرير أنّ القادة الإسرائيليين قد لا يملكون الإرادة السياسية للحفاظ على الضغط العسكري الكبير لفترة أطول، وربّما قد تعود القوّات الإسرائيلية إلى شنّ غارات أصغر على أهداف سانحة .
أمّا في لبنان، فإنّ الحرب المتّبعة هي حرب الاستهدافات، التي تشمل عمليّات اغتيال لقادة في الحزب، وضرب بنى تحتيّة ومرابض إطلاق صواريخ، وجعل القرى القريبة من الحدود غير قابلة للعيش بفعل الدمار الكبير والغارات المستمرّة. وبما أنّ قوّة “حزب الله” تفوق بعشرة أضعاف قوّة الحركة، فالوقت الذي تحتاجه إسرائيل لإضعاف الحزب سيكون طويلاً، حسب بعض التقديرات العسكرية. وقد قُتل ما يقارب 500 عنصر من الحزب ، بينهم عدد كبير من القياديين، فيما بلغ عدد النازحين من المناطق الحدودية قرابة 110 آلاف شخص.
وثمّة من يرى أنّ حرب الاستهدافات هذه قد تؤدّي الغرض المطلوب من الحرب الكبيرة التي لا توافق عليها الولايات المتّحدة، كما أنّها ستكبّد إسرائيل خسائر لا يستهان بها، وهي المنهكة من الحرب المستمرّة في القطاع.
ولكن هذا الخيار الذي يُدرس في تلّ أبيب، تعارضه وجهة نظر من أطراف إسرائيلية أخرى فاعلة. إذ هي تعتبر أنّ لبنان مختلف عن غزّة. فالحدود البحرية والجويّة والبرّية مفتوحة أمام الحزب لاستمرار تدفق الأسلحة والإمدادات، على رغم الضربات التي وجّهتها إسرائيل لشحنات سلاح في سوريا أو لمعمل تصنيع الصواريخ في مصياف. وطول مدّة الحرب سيمكّن الحزب من تجديد قياداته في شكل دائم. لذا، يؤيّد هؤلاء حرباً عنيفة مدمّرة، واجتياحا برّياً، يسمح للقوات الإسرائيلية بالقضاء على شبكة الأنفاق.
ولكن، هناك عوامل أخرى ترجّح دفّة هذا الخيار أو ذاك، وعلى رأسها موقف الولايات المتّحدة. إذ لا يمكن لإسرائيل شنّ حرب واسعة على لبنان من دون موافقة واشنطن. وهذا لن يحصل، على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث ماتزال إدارة بايدن تبذل جهوداً قصوى للوصول إلى اتفاق حول غزّة أوّلا، بما يعزّز التهدئة في لبنان، ويفتح الطريق أمام الحلول الدبلوماسيّة. وهذا ما أبلغه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بكلّ وضوح للمسؤولين الإسرائيليين.
ولن يختلف الوضع بعد الانتخابات الأميركية. فلا كاميلا هاريس تريد استمرار الحرب، ولا دونالد ترامب يريد حروباً في عهده. لذا، فإنّ خيار الحرب الطويلة قد يكون هو البديل، في حال فشل الوسطاء في دفع الطرفين إلى تسوية.