زيارة قائد الجيش للقرنة السوداء استباقية تحذيرية أكثر منها عسكرية

زيارة قائد الجيش للقرنة السوداء استباقية تحذيرية أكثر منها عسكرية

الكاتب: رضوان عقيل | المصدر: النهار
9 أيلول 2024

توقف متابعون عند زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون للقرنة السوداء قبل يومين، واجتماعه بعناصر فوج المغاوير في منطقة التدريب في هذه المنطقة التي سبق أن شهدت مشكلات بين أبناء بلديات من بشري والضنية، وصلت شرارتها في إحدى المرات إلى شفير فتنة طائفية بين الأهالي. وقد نجح العقلاء من الطرفين في نزع فتيلها وترك تسوية الأمور للقضاء ليبت المشكلات القائمة على خلفية من يملك تلك الأرض منذ ما قبل الانتداب الفرنسي، بغية انتظام الحياة اليومية لكل من يقصد القرنة من العاملين في الزراعة والماشية.

وبلغ الأمر ببعض المغالين، حد تصوير المشهد في القرنة كأنه خلاف على حدود بين جمهوريتين والدخول في حرب خرائط وترسيم. وسبق لنواب المنطقتين من حاليين وسابقين الدخول على خط هذه الأزمة بغية إيجاد الحلول المناسبة لها التي لم تنضج إلى اليوم. وكان للرئيس الراحل عمر كرامي محطات عدة في مواكبة هذه القضية، وكذلك لـ”القوات اللبنانية”.

وإذا كان عون يقوم بجولات تفقدية على مختلف المواقع والنقاط العسكرية في المناطق، فإن محطته في القرنة حملت جملة من التفسيرات، ولا سيما مع الإشارة التي أطلقها من باب الاحتياط وعلى شكل رسالة تحذيرية إلى كل من يعنيه الأمر، ومفادها أن “المساس بالسلم الأهلي ممنوع، والظروف الصعبة تستدعي مزيدا من الصبر والتضحية بهدف الحفاظ على المؤسسة والوطن”.

وكان في إمكان عون إطلاق مثل هذا الموقف في بيان من وزارة الدفاع في اليرزة أو أي نقطة عسكرية في بيروت حتى لا تأخذ هذه المساحة من الاهتمام والتوقف عند إبعادها، لكنه أراد توجيهها عن قصد من القرنة السوداء التي حصلت على أرضها إشكالات بين أهالي المنطقة في السنوات الأخيرة جراء خلافات على أحقية استعمال الأراضي والتنقل في ربوعها والاستفادة من مياهها التي ما زالت محل متابعة لدى الأجهزة القضائية المختصة.

وتقول مصادر إنه لم تحصل أي إشكالات جديدة، وإن الكلام الأخير لقائد الجيش “يأتي من باب التحذير لا أكثر، مع تأكيد حفظ السلم الأهلي”، ولا سيما أن مسؤوليات عدة ملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية التي يعمل ضباطها وجنودها في أجواء صعبة، ولا يقصرون في تأدية الواجبات المطلوبة منهم في كل الأماكن التي ينتشرون فيها في العاصمة والداخل وعلى طول المناطق الحدودية من الجنوب إلى البقاع وصولا إلى الشمال، الأمر الذي يزيد الأعباء الملقاة على عاتق وحدات ألويته وأفواجه التي تعمل في ظروف أكثر من صعبة.

وتعود الخلافات بين أبناء بشري والضنية إلى أفضيلة استعمال المياه وأماكن رعي الماشية، وهذه القضية لم تسوّ بعد. وقد سقط شابان من آل طوق قبل أكثر من سنة. ويتبادل الطرفان الاتهامات بعد تسجيل تعديات بين أشخاص من الرعاة والمزارعين من بقاعصفرين وآخرين من بشري، على خلفية من هو صاحب الحق في استعمال البرك التي تتشكل بعد ذوبان الثلوج ويستفيد منها هؤلاء في فصل الصيف.
لم تحسم إلى اليوم حدود القضاءين. وبقي جمر هذه الخلافات تحت الرماد، ولو أن لا توجه من الجهتين لتأزيم القضية.

ويتوقف نائب الضنية جهاد الصمد عند إقدام مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش على إجراء تعديلات في الخرائط بين الضنية وبشري “من دون أي مسوغ قانوني، بما أدى إلى إلغاء حدود الضنية مع بعلبك”. والمطلوب في رأيه عدم تجاوز قواعد التحديد والترسيم بين البلديات والمناطق. ويقول الصمد إن شقين قانونيا وقضائيا تتم متابعتهما “وليكن القضاء هو الحكم والفيصل. نحن من جهتنا في الضنية لا نريد إلا أطيب العلاقات مع جيراننا واخوتنا في بشري ومع كل اللبنانيين”.

وتفيد مصادر سياسية شمالية مواكبة “النهار” حيال ما يدور في القرنة السوداء حيث لم يحصل اي توتر طوال الاشهر الاخيرة. وان قيادة الجيش تتعاطى بأهتمام كبير مع هذا الموضوع الشائك وهي تحرص على عدم حصول اشكالات او اي مواجهات بين الاهالي في بشري والضنية نظرا الى الاخطار التي ستترتب عن ذلك على كل البلد في حال حصول هذا النوع من الازمات. وان الخلاف العقاري فضلا عن تحديد ظروف مقتل الشابين من أل طوق متروك للقضاء المختص. وان المطلوب في النهاية ان لا تبقى هذه المهمة على عاتق الجيش فحسب بل ان تقوم الاجهزة القضائية والرسمية الاخرى بالتوصل الى مخرج يضمن عدم تكرار اي اشكالات.

ومن الاقتراحات المطروحة ان تكون القرنة السوداء محمية طبيعية ملك الدولة وتطبيق قرار وزارة البيئة الذي ينطلق من تصنيف الاراضي التي تعلو عن 2400 متر بانها محميات طبيعية على ان يجري في هذا الوقت ترتيب عملية استعمال البرك ليستفيد منها المزارعون من ابناء بشري والضنية في آن معاً الذين يرددون جملة “تعالوا نحتكم للقضاء” .