خاص – انحسار “جدار الصوت” رسالة لمن؟

خاص – انحسار “جدار الصوت” رسالة لمن؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
11 أيلول 2024

لفت سمع سكان الجنوب أنّ قيام الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة بخرق جدار الصوت قد تراجع في شكل ملحوظ بعد انتهاء الهجوم الاستباقي وتنفيذ الحزب ردّه في 25 آب الماضي. إذ كانت الطائرات الإسرائيلية تطلق دويّها الصوتيّ القويّ في شكل يوميّ، لا بل مرّات عدّة في اليوم الواحد أحياناً، فترتجّ نوافذ البيوت والأبواب، وترتجف القلوب. والقصد على الغالب هو التهويل على السكّان في الجنوب، وأيضاً في مناطق لبنانية أخرى أحياناً وفي بيروت، بأنّ الخطر يتهدّد الجميع، ما دام “حزب الله” مستمرّاً في استهداف إسرائيل. فلماذا تراجع خرق جدار الصوت، بعد الهدوء النسبي الذي أعقب التصعيد الكبير فجر ذلك الأحد؟ وهل هي رسالة مثلاً تشير إلى الاستعداد للتهدئة والتفاوض، بدلاً من الحرب؟ وما الذي حدث بالفعل بعد تاريخ 25 آب؟

في الواقع، من يتابع الإعلام الإسرائيلي وتصريحات المسؤولين السياسيّين والعسكريين، يلاحظ، على العكس من ذلك، ارتفاعاً في منسوب التهديدات بحسم الوضع في جنوب لبنان، وبأنّ الوقت حان للعمل على هذه الجبهة. ولكن، ما زال الوضع مضبوطاً، بعدما عادت العمليّات منذ أسبوعين إلى وتيرتها المعروفة.

الأكيد أنّ إسرائيل تريد إبعاد الخطر المحتمل على سكّان المناطق الحدودية، الذين تركوا منازلهم منذ قرابة السنة. ولا ترى بدّاً من إقامة نوع من المنطقة العازلة أو المنطقة الآمنة بعمق يقارب العشرة كيلومترات. وفي حال توصّلت إلى ذلك بأيّ وسيلة متاحة، تكون قد حقّقت هدفها. وهي تفضّل اللجوء إلى وسيلة التفاوض مع لبنان، بدلاً من حرب كبيرة منهِكة.

فأيّ خيار سيُعتمد؟ وما هي المعطيات التي ترجّح خياراً على آخر؟

ربّما ما زال أمام لبنان بضعة أسابيع متاحة من حرب المراوحة، قبل أن يحين الوقت لنقل التركيز إلى جبهة الشمال. فهناك الآن مفاوضات دائرة حول الهدنة في غزّة. وعلى رغم أنّها تميل إلى الانهيار، فإنّ الوسطاء يعملون على المزيد من التشاور وطرح الصيغ والمخارج، في محاولة منهم لمنع توقّف المفاوضات. إذ من شأن استمرارها وقتاً أطول أن يؤخّر الانفجار الكبير. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنّ القوّات الإسرائيلية “في صدد الانتهاء من العمليّة في الضفّة الغربيّة، لنقل مركز الثقل إلى الجبهة الشمالية لفتح حرب مع لبنان”. أمّا عضو الكابينت السابق بيني غانتس، فقال: “ إذا لم نتوصّل إلى اتفاق في شأن الرهائن في غضون أيّام أو أسابيع قليلة، علينا خوض الحرب في الشمال”.

وتشير المعلومات إلى أنّ الأسبوعين الماضيين شهدا اجتماعات مكثّفة واتصالات بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين أميركيين، بحثت في سبل منع اندلاع حرب بين إسرائيل و”حزب الله”. وحصلت هذه الاجتماعات بسعي من الإدارة الأميركية، التي لا تريد نشوب حرب كبيرة في الفترة المتبقّية من ولايتة الرئيس جو بايدن. وشارك في أحد الاجتماعات الافتراضية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومستشارا الرئيس آموس هوكشتاين وبريت ماكغورك، فيما كان الفريق الإسرائيلي برئاسة الوزير رون دريمر المقرّب من بنيامين نتنياهو. وطرح الأميركيّون صيغاً متعدّدة للتهدئة، في حالتي التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة أو الفشل في ذلك. ولكنّ المعلومات تقول إنّ ردّ الفعل الإسرائيلي على هذه المقترحات لم يكن واضحاً وحاسماً، إذ طالب الفريق الإسرائيلي بضمانات مؤكّدة حول انسحاب قوّات الرضوان مسافة معيّنة عن الحدود وعدم عودتها مرّة ثانية.

في هذه الأثناء، لفت التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، الذي أشار إلى أنّ لبنان يريد وقف الحرب، وهو مستعدّ للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل من أجل ذلك. وإذا تمّ التوصل إلى اتفاق يمكن إقناع الحزب به، كما قال. وسواء كان هذا الكلام من بنات أفكاره، أو بمعرفة الحزب، فإنّه يعطي لتلّ أبيب إشارة إيجابيّة إلى الاستعداد للتفاوض، وحتّى لتعديل القرار 1701، وإن كان بو حبيب قد تراجع عن كلامه المتعلّق بهذا القرار الدولي.

ولكن، على أرض الواقع في الجنوب، هناك معطيات تفرض نفسها في شكل تدريجيّ وغير معلن. فالغارات الإسرائيلية المستمرّة منذ تشرين الأوّل، واستهداف مرابض إطلاق الصواريخ، كما اغتيال عدد كبير من القادة في الحزب، كلّ ذلك جعل القرى والبلدات القريبة من الحدود مدمّرة وشبه خالية من السكّان، كما ترك أثراً في البنية العسكرية للحزب وضعفاً موقّتاً في التوجيه والقيادة. وتكون إسرائيل بذلك، كأنّها تنشئ المنطقة العازلة بالتدريج من خلال عمليّات موضعية، بدلاً من الحرب الكبيرة أو الاجتياح البرّي.

وتؤكّد مصادر لموقع beirut24 أنّ فرص الحلّ الدبلوماسيّ مع لبنان ما زالت مفتوحة، وأنّ الكرة الآن في ملعب الحزب. فإذا أوجد طريقة للتجاوب، يظلّ لبنان في منأى عن الحرب، وإلّا فإنّ الانفجار سيصبح واقعاً، كلّما تأخرّت العودة إلى طاولة التفاوض.