خاص – ما البديل بعد إلغاء التعميم 151؟
أخذ قرار توحيد سعر الصرف طريقه إلى التطبيق. وهو أحد أهم الشروط التي يطلبها صندوق النقد الدولي في إطار خطة التعافي. فقد أعلن المصرف المركزي قبل أيام رفع سعر الصرف على منصة “صيرفة” إلى 89500 ليرة للدولار الواحد، بما يجعله مساوياً لسعر السوق الحرّة. وفي نهاية العام الحالي ينتهي العمل بالتعميم 151 الذي يحدد سعر السحب من الودائع بـ 15 ألف ليرة للدولار. ولا ينوي مصرف لبنان تمديد العمل بهذا التعميم، ما يعني عملياً إلغاء آخر شكل من أشكال تعددية الأسعار.
وإذا كان توحيد سعر الصرف هو بداية المشوار نحو خطة التعافي، فإن هذه الخطوة ستُتبع بإيجاد مخرج لتغطية الخسائر أو تحديد مصير الودائع، وإعادة هيكلة المصارف وإقرار قانون الكابيتول كونترول. وهذا المسار مازال في مرحلة التخبّط، ويحتاج إلى توافق بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ليسلك الطريق نحو الخروج من الأزمة المالية والنقدية.
ولكن، يبدو أن المصارف غير راضية عن الطريقة التي يجري فيها توحيد سعر الصرف. ويؤكد كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل لموقع beirut 24 أن “هذا القرار لا يُتخذ بالطريقة التي تجري اليوم. إذ إنّ عدم تمديد العمل بالتعميم 151 يجب أن يترافق مع خيار بديل يبدوغير موجود بعد. وإقراره كخطوة منفردة لن يكون كافياً”. ويشدد على أن “توحيد سعر الصرف يجب أن يكون مرتبطاً بالخطة الإصلاحية الشاملة، التي تتضمن إقرار قوانين مثل الكابيتول كونترول والموازنة، وهو أمر صعب في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال”.
أمّا الاعتراض الثاني الذي يعبّر عنه غبريل، فهو أنّ “توحيد سعر الصرف يجب أن يجري عبر المنصة التي كان مصرف لبنان ينوي إطلاقها بالتعاون مع شركة بلومبيرغ قبل نهاية هذا العام. فهذه المنصة تؤمّن الشفافية، ما يجعل حركة العرض والطلب هي التي تحدّد سعر الصرف”.
في أي حال، فإن لتوحيد سعر الصرف انعكاسات كبيرة على موازنات المصارف، لأنه سيحدد وضع كل مصرف من حيث الموجودات والمطلوبات، إضافة إلى سقف السحوبات التي يمكن للمصرف أن يردّها للمودع شهرياً، كما سينص عليه قانون الكابيتول كونترول الذي ما زال موضع أخذ وردّ وتأجيل ودرس.
ويؤكد غبريل أن “من الطبيعي أن يُلغى التعميم 158 بعد إقرار القانون الذي يحدد الضوابط على السحوبات. ولكن هذا التعميم هو عملياً نموذج لما يمكن أن يكون عليه قانون الكابيتال كونترول لاحقاً”.
وبالتوازي مع هذا كله، تبقى العقدة الأساسية في تحديد مصير ودائع الناس. وهذا ما سيتضمّنه قانون إعادة التوازن إلى القطاع المالي، الذي وضعته الحكومة وقدّمته قبل عام إلى لجنة المال والموازنة، حيث ما يزال في طور البحث والمراجعة. وفي كل يوم تطرأ أفكار جديدة حول مصير الودائع فوق مبلغ الـ100 ألف دولار، على أساس أن هذا المبلغ سيعاد على مدى سنوات عدّة. ولكن يبدو أن الإخراج الذي يُعمل عليه يفرّق أيضا ًبين ودائع مؤهّلة وأخرى غير مؤهّلة، بمعنى أن الودائع التي تمّ تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد تاريخ تشرين الأول 2019 لا ينطبق عليها مبدأ أستعادة الـ 100 ألف دولار.
وتقوم الطروحات على تحويل قسم من الودائع إلى الليرة على سعر السوق، وقسم آخر إلى أسهم في المصارف، والقسم الثالث إلى سندات في صندوق استعادة الودائع. حتى أن طروحات جديدة عُرضت ولاقت استحساناً من قبل المعنيين، تقوم على شراء الدولة والمصارف سندات دولية كضمانة للودائع حسب قيمتها الفعلية التي تقلّ بكثير عن القيمة الاسمية. وهذا الطرح يضمن استعادة كامل القيمة الإسمية للرساميل والودائع، ولكن بعد ثلاثين سنة.
وفي مقابل هذه الصيغ، تقدمت جمعية المصارف اخيراً إلى وزارة المال بـ “مذكرة ربط نزاع”، وطالبت، كما يقول غبريل، “بما لم يفعله مصرف لبنان، أي دعوة الدولة إلى تسديد ديونها له والبالغة 16 ملياراً و300 مليون دولار،وتطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تنص على أن وزارة المالية هي المسؤولة عن تغطية خسائر مصرف لبنان”.
واستناداً إلى هذه الصورة، ربّما بدأت الخطوة الأولى في مسيرة الالف ميل للخروج من الأزمة المالية. وهذه المسيرة ستكون عرضة لمدّ وجزر كبيرين قبل أن توضع موضع التنفيذ. ولكن الأكيد أن الحلّ سيأتي على حساب المودعين، في أي شكل من الأشكال. وستُقفل الفجوة المالية من جيوب الناس الذين ستقدم إليهم الوعود باستعادة أموالهم، كمن يقدم سمكاً في البحر.