اقتراح نيابي يجيز لبلدية بيروت منح تراخيص كهرباء… ماذا يقول القانون؟
في خضم التردي المتزايد بالتغذية الكهربائية، وترنح اتفاق استيراد الفيول العراقي من وقت إلى آخر، يأتي مشروع نائب بيروت وضاح الصادق الهادف إلى منح “أذونات وتراخيص إنتاج الكهرباء وتوزيعها” إلى البلديات واتحاداتها، ليضيف إلى مشاريع الحلول لعضال الكهرباء، مشروعاً عملياً قابلاً للحياة والنجاح، إن حظي باحتضان رسمي، مشكوك في حصوله.
فلكل مشروع حلّ لـ”إبريق زيت” الكهرباء العريق شرط، فشل الجميع في اجتيازه، وهو الفوز بسباق القفز العالي فوق الشعبويات التي تنتظره على “الكوع”، وفوق المصالح الشخصية، والنكايات السياسية المتبادلة. والاهم قدرته على الوقوف بوجه المنافع المباشرة وغير المباشرة التي تؤمنها كارتيلات المولدات للقوى الحزبية والسياسية التي ترعاهم.
لا شك في أن المشروع عملي ويلائم، وفق ما تقول مصادر متابعة، واقع تردي خدمات كهرباء لبنان وعجزها، ويخدم ثلاث قضايا أساسية وطنية، في السياسة والاقتصاد والبيئة.
في السياسة، يُعدّ المشروع الخطوة الأولى نحو تحقيق اللامركزية، التي تطالب بها غالبية المكونات السياسية والاجتماعية في لبنان، وبداية وضع البلاد على سكة النمو المتوازن المقترن بإدارة ذاتية لعناصره، والبداية مع ملف الكهرباء.
ثانية القضايا، هي ما تحققه هذه الخطوة اقتصادياً ومالياً وجذباً للاستثمارات، خصوصاً من الممولين المغتربين ورجال الأعمال الذين قد يكون اهتمامهم بمساقط رؤوسهم متقدماً على الاهتمام بمشاريع أخرى. وأهم ما فيها أنها توقف كلياً استنزاف دولارات مصرف لبنان، حيث إن فاتورة قطاع الكهرباء و”فيوله” لا تزال أكبر فاتورة ضاغطة على موجوداته، بعدما تقدمت على فاتورة الرواتب والأجور بفعل سقوط الليرة.
وفي ظل اكتشاف اللبنانيين فوائد الاستثمار بالطاقة المتجددة، وانتشار الاستخدام المنزلي والصناعي للطاقة الشمسية، وفي ظل تجارب ناجحة على قلتها في بعض البلديات، قد يدفع مشروع النائب الصادق الكثير من البلديات واتحاداتها إلى الشروع في الاستثمار بالطاقة النظيفة، والتخلي عن المولدات كلياً، أو التخفف حتى الحدود الدنيا من استعمالها. وبذلك يتحقق أمران: الأول خفض نسب التلوّث في الهواء والتربة، والثاني خفض فواتير الاستهلاك.
يبقى أن الوجه الآخر السلبي للمشروع، قد يكون كما أفاد مصدر بلدي لـ”النهار”، هو الخوف الجدي من وقوع قطاع الكهرباء في أيدي الأحزاب والقوى السياسية التي لن تتوانى عن الاستثمار مباشرة أو عبر أزلامها الموجودين في الغالبية الساحقة من مجالس البلديات وفي رئاساتها، للسيطرة على هذه الخدمة وعائداتها لتمويل أنشطتها من جهة، والاستفادة منها في الخدمات الانتخابية وشراء الذمم من جهة أخرى.
أهمية تعاقد البلديات مع القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء؟
تقدم الصادق باقتراح قانون للإجازة لبلدية بيروت منح أذونات وتراخيص إنتاج الكهرباء وتوزيعها، بقرار من مجلسها، وتكون الشركات الحاصلة على الترخيص ملزمة بشراء كامل إنتاج الكهرباء المتاح من مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تقوم بتغطية كامل حاجات التغذية من خلال إنتاجها الخاص. وإلى حين إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، تضع مؤسسة الكهرباء دفاتر الشروط النموذجية اللازمة لإجراء المناقصات واستدراجات العروض على أساسها على أن تخضع دفاتر الشروط النموذجية لقانون الشراء العام وهيئة الشراء العام.
المشروع وفق ما قال الصادق قريب لشركة كهرباء زحلة، ويمكن أن يعمّم في مختلف المناطق إذا نجح في العاصمة، فهل يتيح القانون للبلديات القيام بمثل هذه المشاريع؟
المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون اعتبر أن حل أزمة الكهرباء الوحيد المتاح هو “اعتماد لامركزية الإنتاج والتوزيع وإعطاء البلديات واتحادات البلديات حق التعاقد مع القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة وتوزيعها ضمن نطاقها.
فالبلدية تتمتع بشخصية معنوية واستقلال إداري ومالي وحق بقبول الهبات والتعاقد، إذ نص قانون البلديات على أن يشمل اختصاص المجلس البلدي كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة، في النطاق البلدي، وعدّد ما يتولاه المجلس البلدي، دون أن يكون ذلك على سبيل الحصر، بحيث تقع ضمنه مشاريع الإنارة، وإنشاء المرافق العامة.
كذلك، أجاز القانون للمجلس البلدي، ضمن منطقته، أن ينشئ أو يدير بالذات أو بالواسطة، مجموعة واسعة من المشاريع والبنى والمنشآت والمؤسسات تجعله أشبه بـ”حكومة محلية” تعمل على تأمين حاجات أهله. وأولى المجلس البلدي صلاحية مراقبة تنفيذ القوانين والأنظمة المرعية الإجراء المتعلقة بأداء المرافق العامة ضمن نطاق البلدة، وكذلك مراقبة حسن تنفيذها، وإبداء ملاحظاته في ما يتعلق بالحاجات العامة للبلدة، مع الأخذ في الاعتبار أن الطاقة الشمسية تتميز بضآلة الحاجة لرأس المال التمويلي والتشغيلي، نسبة لغيرها، إضافة إلى أن للاعتماد عليها فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية جمة، ولا سيما بالنسبة لخفض استيراد الفيول وتأثيره السلبي على ميزان المدفوعات”.
ومع تجدد الحديث عن اللامركزية والإنماء المتوازن المنصوص عليه في مقدمة الدستور، يرى بيضون “ضرورة إعطاء البلديات صلاحيات صريحة إضافية تتعلق بقطاع الطاقة صمن نطاقها، نظراً لقدرة البلديات على تأمين نسبة مهمة من حاجات المقيمين في نطاقها من الكهرباء في حال إيلائها صلاحية التعاقد مع القطاع الخاص لإنتاج الطاقة وتوزيعها للعموم، وفق نموذج كهرباء زحلة من الوجهة التقنية فقط، ووفق قانون الشراء العام وغيرها من القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.
ويستند بيضون إلى وقائع عدة تستدعي إعطاء البلديات واتحادات الحق في التعاقد مع القطاع الخاص على تأمين خدمات إنتاج وتوزيع الطاقة لتأمين الكهرباء. ويأتي في مقدمة هذه الوقائع “تفاقم أزمة الكهرباء توازياً مع استنزاف القدرة الاقتصادية للمجتمع والقدرات التمويلية لمصرف لبنان لشراء مزيد من المحروقات التقليدية لتشغيل معامل الكهرباء لتأمين 4 ساعات تغذية غير كافية لإعفاء المواطن من أعباء فاتورة المولد واستبداد أصحابها خارج أي رقابة دون رادع”.
مع الأخذ في الاعتبار أن “الرقابة على توزيع الكهرباء ضمن النطاق البلدي، وضبط الهدر غير التقني والتعليق على الشبكة والاستمداد غير الشرعي للطاقة، هي أسهل وفاعليتها أعلى من الرقابة المركزية للمؤسسة، بحيث تتحقق فوترة وجباية بنسب شبه كاملة، ويتم تجنب هدر المال العام الذي تتكبّده الخزينة من خلال دعم محروقات المؤسسة”.
ولفت بيضون في السياق، إلى أن قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/2002، كسر احتكار مصلحة كهرباء لبنان” لقطاعي إنتاج وتوزيع الكهرباء، وأسند الى الهيئة الناظمة صلاحية إعطاء تراخيص وأذونات الإنتاج في مختلف المناطق، بقدرات وفق أعداد ساكنيها وبناءً على استدراجات عروض أو مناقصات، غير أنه لم يتم تعيين هذه الهيئة.
علماً بأنه صدرت القوانين: 2014/288، و54/ 2015، و2019/129، التي أولت مجلس الوزراء صلاحية إعطاء هذه التراخيص على مدى 7 سنوات انتهت في 30/4/2022، من دون أن تسفر عن أي نتيجة إيجابية أو تحدث أي تغيير على أرض الواقع. وكذلك الأمر بالنسبة لمختلف خطط الكهرباء المتعددة التسميات والتي وافقت عليها الحكومات المتعاقبة وأقرتها اعتباراً من ورقة قطاع الكهرباء خلال عام 2010 وانتهاءً بخطة الطوارئ لعام 2022.