خاص- ترامب أيضاً لا يريد حرباً في لبنان
من الطبيعي أن ترتفع نسبة المخاوف من اندلاع حرب واسعة في لبنان، بعدما حدّدت إسرائيل هدفاً للردّ على الهجوم الصاروخي على مجدل شمس في الجولان، حيث قتل اثنا عشر طفلاً كانوا في ملعب رياضي. فعمليّة من هذا النوع، حتّى وإن نفى “حزب الله” مسؤوليتّه عنها، لا تمرّ من دون ردّ إسرائيلي مناسب. وعليه، يترقّب لبنان والحزب شكل الردّ المنتظر، وماهيّة الهدف ومكانه. أمّا تطوّر الأمور إلى حرب شاملة فشأن آخر له حساباته.
واللافت أنّ ضربة الجولان، وقبلها اطلاق مسيّرة فوق حقل كاريش للغاز، تزامنا مع الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن، حيث ألقى خطابه أمام الكونغرس، وسعى إلى الحصول على الدعم لاستكمال العملية في غزّة، وربّما فتح حرب على لبنان، من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي عبر المرشّحين دونالد ترامب وكامالا هاريس والإدارة المستمرة مع جو بايدن حتى آخر العام الحالي.
وتفيد المعلومات المتوافرة من العاصمة الأميركية أنّ نتنياهو لم يحصل على أيّ ضوء أخضر لشنّ هجوم واسع على لبنان. بل على العكس من ذلك، كان تشديد من الرئيس بايدن والمرشّحة هاريس على وجوب إعادة الاستقرار إلى جانبي الحدود عبر السبل الدبلوماسية. وهذا موقف معروف من الإدارة الديموقراطية. وما زال بايدن يبذل كل الجهود، على رغم انسحابه من السباق الانتخابي، من أجل التوصّل إلى حلّ دبلوماسي بدلاً من الخيار العسكري.
ولا يختلف الحزبان الجمهوري والديموقراطي في دعمهما لإسرائيل. فاللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يتمتّع بنفوذ كبير، وخصوصاً إبّان الانتخابات، حيث يمكن له أن يحوّل أموالاً طائلة لدعم حملة المرشّح المفضّل لديه. ولكن، هناك بعض التمايز حالياً داخل الحزب الديموقراطي، حيث ترفض بعض الأصوات الدعم اللامشروط لإسرائيل في حربها على غزّة.
ويفضّل نتنياهو وصول ترامب إلى البيت الأبيض على وصول كاميلا هاريس أو أيّ مرشّح ديموقراطي آخر. ولكنّه بات مضطرّاً إلى الموازنة بين الحزبين، خصوصاً أن أسهم هاريس ارتفعت نسبياً عمّا كان عليه الوضع قبل انسحاب بايدن.
وسبق لترامب أن أعطى نموذجاً عن سياسته في الشرق الأوسط خلال عهده السابق. ويرى باحثون في الشأن الأميركي أنّ ترامب لن يغيّر كثيراً في السياسة التي اتّبعها. فهو أعطى اسرائيل كلّ ما تريده، من اعتراف بالقدس عاصمة لها، إلى فتح سفارة اميركية فيها. وفي الأشهر الأخيرة من عهده، تمّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين، في إطار ما عرف باتفاقات ابراهيم. واليوم، لا يُتوقّع أن يفعل ترامب أيّ شيء من اجل القضية الفلسطينية. وحتّى جي دي فانس المرشّح لمنصب نائب الرئيس، قال إنّ على الولايات المتحدة أن تفعل الامر نفسه لمساعدة اسرائيل في تدمير غزة.
ولكن، سياسة ترامب لا تميل الى التدخل العسكري في الشرق الاوسط. لذا، هو يفضّل، كما بايدن، عدم فتح حرب واسعة مع لبنان. وسياسته الخارجية تقوم أساساً على مبدأ “أميركا أوّلاً”، أي أنه يفضّل عدم التدخّل وزجّ بلاده في حروب لا فائدة منها.
في أيّ حال، فرضَ هجوم مجدل شمس في الجولان، واستعداد إسرائيل للردّ عبر قصف هدف محدّد يخرج عن نطاق الاستهدافات الحاليّة، وضعاً عسكرياً جديداً. وهذه الضربة المتوقّعة ستؤدّي إلى تغيير في قواعد اللعبة، بما يدفع إلى تصعيد كبير، وهذا مستبعد، أو إلى تحريك عملية التفاوض، وصولاً إلى حلّ يتضمّن ترتيبات أمنيّة في الجنوب، على غرار القرار 1701.
ومن هنا، فإنّ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين أشار قبل يومين إلى أنّه ما زال مستعدّاً لاستكمال مهمّته والتوصل إلى مخرج قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن التي تستمر حتّى نهاية العام الحالي. ولكن هوكشتاين تطرّق في كلامه إلى الترابط القائم بين ملفّ غزّة ولبنان. فهو يعتبر أنّ “حزب الله” لن يقبل بالدخول في مفاوضات، قبل انتهاء الحرب في القطاع أو على الأقلّ التوصّل إلى اتفاق تهدئة.
فهل يكون للضربة الإسرائيلية المتوقّعة الأثر الكافي لتزخيم التحرّك الدولي في اتّجاه الضغط للتوصّل إلى حلّ سريع، تخوّفاً من اتساع الحرب إلى صراع إقليمي خطير؟
التعويل هنا هو على موقف الحزب. فهل يبقى على قراره بربط الوضع في لبنان بالتطوّرات في غزّة، أم يبدّل وجهة نظره؟
ليس الحزب بالطرف الذي يستسلم بسرعة، على رغم تمتّعه بالبراغماتيّة الكافية ليعرف متى ينحني ومتى يهادن وكيف يحارب. ربّما يعتقد الحزب أنّ في إمكانه المناورة بعد، لتقوية أوراق التفاوض لديه. لكن ذلك سيكون محفوفاً بالمخاطر في خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.