خاص – ما بعد الخميس: تسوية بشروط إسرائيل أو الحرب
في التحرّك الأوّل الذي قام به الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بعد 7 تشرين، حاملاً مبادرته للحلّ الدبلوماسي على جبهة الجنوب، كانت إسرائيل راضية بانسحاب “قوات الرضوان” بضعة كيلومترات عن الحدود، في مقابل الترسيم البرّي، وحوافز اقتصادية تقدّمها الولايات المتّحدة للبنان. فقد كانت تلّ أبيب آنذاك في حاجة ملحّة إلى تهدئة في خاصرتها الشمالية من أجل التفرّغ لضرب “حماس”. وكادت الصفقة أن تمشي، لولا أنّ “حزب الله” لم يستطع أن يتراجع عن مبدأ ربط جبهة المساندة في لبنان بحرب غزّة. فهو أعلن أنّه سيوقف عمليّاته فور انتهاء الحرب في القطاع، واعتقد أنّ العرض الأميركي سيبقى ساري المفعول إلى أجل غير مسمّى.
ولكن، بعد عشرة أشهر على بدء الصراع، تمكّنت القوّات الإسرائيلية من حسم الوضع العسكريّ في القطاع في شكل كبير. وصار في إمكانها التركيز الآن على الجبهة اللبنانيّة. ولم تعُد صيغة هوكشتاين الأولى صالحة، في نظر بنيامين نتنياهو. فشروط قبول إسرائيل بالتسوية أصبحت أكثر صعوبة. فهي تريد انسحاباً لا يقلّ عن 10 كيلومترات، وتريد أيضاً إجراءات تضمن عدم حصول أي خرق للاتفاق، مثل طلب مساعدة دوليّة لمراقبة الحدود والأنفاق. حتّى أنّ البعض في إسرائيل دعا إلى اجتياح برّي لجنوب لبنان، لضمان سحب السلاح ومقاتلي الحزب.
في أيّ حال، أتت الضربتان اللتان وجّهتهما إسرائيل آخر الشهر الماضي إلى الضاحية وطهران، لترسما خطّاً فاصلاً بين مرحلتين. وأصبحت المرحلة الجديدة محكومة بالردّ، الذي ينتظره نتنياهو لجرّ إيران والحزب إلى الحرب، وبالتالي توريط الولايات المتّحدة أيضاً. لكن يبدو أنّ كلّاً من الحزب وطهران يحسبان ألف حساب لاحتمال اندلاع حرب إقليمية، وما سترتّبه عليهما من خسائر، قد تطال أيضاً المشروع النوويّ لإيران.
وعليه، تعيش المنطقة على خطّ رفيع بين التهدئة والانفجار. وأتت الدعوة إلى اجتماع الخميس في الدوحة لاستئناف البحث في عقد هدنة في غزّة، لتشكّل مخرجاً موقّتاً لإيران يسمح لها بتأخير الردّ، إفساحاً في المجال لإنجاح المفاوضات. وبالفعل، لمّحت إيران إلى أنّ الأمر الوحيد الذي يمكن أن يرجئ الردّ هو التوصّل إلى اتّفاق لوقف النار في القطاع.
وفي الواقع، أصبحت الكرة الآن في ملعب طهران والحزب. فإذا فشلت المحادثات، سيصبح وجوب الردّ على العمليّتين الإسرائيليّتين أكثر إلحاحاً. وهذا لن يضير نتنياهو المتأهّب لإشعال المنطقة.
لذلك، تسارعت الاتصالات الدولية والإقليمية، وتمّ نقل تحذيرات عبر قنوات مثل سويسرا والاردن وقطر والسعودية، وهرول هوكشتاين إلى لبنان، في محاولة أخيرة لثني الحزب عن الردّ الكبير. وشدّد الموفد الأميركي خلال لقائه المسؤولين اللبنانيّين على أهميّة التوصّل إلى اتّفاق في الدوحة بين اليوم والغد. وهذا يمهّد الطريق، إن حصل، أمام العودة إلى التفاوض حول طرحه المعدّل للتسوية في جنوب لبنان. ولم يُعرف ما هو الردّ الحقيقيّ للحزب على هذه الطروحات، في حين ما زال في العلن متمسّكاً بربط المسار اللبناني بمسار غزّة، وتاركاً الردّ على اغتيال فؤاد شكر للزمان المناسب والشكل المناسب.
وفي الموازاة، حشدت الولايات المتحدة تعزيزات ضخمة في المنطقة. وطلب وزير الدفاع لويد أوستن أن تتوجّه المجموعة الضاربة بقيادة حاملة الطائرات “يو أس أس ابراهام لينكولن” إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى غوّاصة تحمل صواريخ “توماهوك”. كما أعيد تمركز المجموعة البرمائية “يو أس أس واسب” في المتوسط، إلى جانب مدمّرات قادرة على التصدي للصواريخ البالستية.
ساعات مصيرية تنتظرها المنطقة. وتعرف واشنطن، على رغم كلّ المساعي التي تقوم بها، أنّها قد لا تكون قادرة على منع الحرب. ولكنّها بالتأكيد، تحضّر نفسها لمساندة إسرائيل، إذا ما توسّع الصراع. فنتنياهو الذي يغتنم فرصة نادرة متاحة أمامه لتدمير “حماس” ولجم الحزب، لن يقبل إلّا بتسوية بشروطه، وإلّا فالحرب على الأبواب، وهو يريد الحسم قبل الانتخابات الأميركية بعد شهرين ونصف الشهر تقريباً.