خاص – الخطر الأكبر على إسرائيل يأتي من لبنان
بعد تدمير غزّة وإضعاف سلطة “حماس” داخلها إلى أقصى حدّ، وتدجين الضفّة الغربية، بما يضمن عدم شنّ أيّ عملية كبيرة على إسرائيل من جانب فلسطينيّي الداخل على مدى السنوات المقبلة، بات مصدر الخطر الأوّل والمباشر على تلّ أبيب يأتي من لبنان عمليّاً. فعلى الحدود الشمالية، يتربّص “حزب الله” بأيّ تحرك عسكري، وينشر قوات من نخبة المقاتلين لديه، وقد حفر أنفاقاً تصل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وهو قادر في أي لحظة على تنفيذ عملية شبيهة بعملية “طوفان الأقصى”. والأهمّ أنه يملك ترسانة أسلحة كبيرة وصواريخ قادرة على الوصول إلى أماكن بعيدة، ناهيك بالمسيّرات، وبعض الأسلحة المتطوّرة التي يُكشف عنها تباعاً.
وتعلّمت إسرائيل من الدرس الذي تلقّنته في 7 تشرين الأوّل، أنّه لا يمكنها ترك الأمور على ما هي عليه، طالما أنّ الجبهة هادئة. فالمفاجآت تبقى واردة في أيّ لحظة، وهي لا تريد أن يُشنّ عليها هجوم مباغت في غفلة منها.
ولكن السؤال هو: هل هي قادرة فعلاً على ضرب الحزب وإضعافه؟ وهل تقدّر الأثمان الباهظة التي ستدفعها من أجل ذلك؟
تدرك القيادة الإسرائيلية، على رغم كل التهديدات التي يطلقها وزير الدفاع يوآف غالانت وسواه، أن فتح حرب كبيرة مع لبنان صعب في الوقت الراهن، وربما يكون غير ضروري إذا تمّ التوصل إلى صيغة تسوية مقبولة. فمخاطر الحرب كثيرة، ومنها أوّلاً الإنهاك الذي أصاب الجيش الإسرائيلي من جرّاء المعارك التي خاضها في غزّة، وثانياً أنّ الحرب على الحزب قد تستدرج تدخّلاً إيرانياً، إذا ما شعرت طهران بأيّ تهديد لذراعها الأهمّ. وهذا قد يستدرج بدوره حرباً إقليمية أوسع.
إذاً، السبيل الأمثل الذي تفضّله إسرائيل هو التوصل إلى تسوية تحفظ الأمن على حدودها الشماليّة، إلّا إذا قام بنيامين نتنياهو بعمل متهوّر، مستنداّ إلى دعم أميركي محتمل بعد عودته من زيارته لواشنطن.
هذه الصورة واضحة تماماً في ذهن الأمين العام للحزب حسن نصر الله. لذا، أعلن في خطابه الأخير أن ليس هناك أيّ اتفاق جاهز مع الأميركيين حول الوضع في الجنوب، على خلاف ما يشاع. وهو أراد من خلال ذلك إعادة موضوع التفاوض إلى النقطة الصفر، والإيحاء بأنّه مستعدّ للاستمرار في حرب الاستنزاف، مهما طالت، إذا لم تكن التسوية المفترضة مناسبة له. فنصر الله يعتبر أنّ ما وصلت إليه الحرب في القطاع وحرب المساندة من لبنان بعد تسعة اشهر من انطلاقها، يجعله في موقع أقوى من ذي قبل، وهو سيكون قادراً على التفاوض من ضمن شروط مغايرة.
ولكن في المقابل، ليست إسرائيل في موقع من الضعف يجعلها تخضع لشروط الحزب، خصوصاً مع ارتفاع أسهم المرشّح دونالد ترامب في شكل لافت بعد محاولة اغتياله الفاشلة. ويراهن نتنياهو في الأساس على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، كي يطلقَ يده في موضوع غزّة والملف الفلسطيني، وأيضاً في ملف التعامل مع “حزب الله”. ولا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي البتّ منذ الآن في أيّ موضوع يتعلّق بـ “اليوم التالي” في غزّة وفي لبنان، ويفضّل الانتظار حتّى وصول المرشح الجمهوري إلى منصب الرئاسة من جديد.
صحيح أنّ ترامب هو الذي مزّق الاتفاق النووي مع إيران، لكن لا يمكن التكهّن منذ الآن بما ستكون عليه العلاقات الأميركية الإيرانية بعد الانتخابات الأميركية. ففي طهران اليوم رئيس “إصلاحي”، هو مسعود بزكشيان. وربّما يشكّل وجهاً من وجوه الانفتاح على الغرب في المرحلة المقبلة، بما يمكّن من معاودة المفاوضات بشروط جديدة. أمّا إذا ظل ترامب على مواقفه من التفاوض مع إيران، فلا يمكن من الآن رسم ملامح المرحلة المقبلة في المنطقة.
ولكن، إذا ما تعذّر أي اتفاق مع إيران، ولم تنجح التسوية مع لبنان حول الجنوب، فإنّ أفضل ما يمكن التوصّل إليه هو العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 7 تشرين الأوّل، أي تهدئة من دون ضمانات. وهذا سيجعل إصبع إسرائيل موضوعاً دائماً على الزناد في انتظار حرب مقبلة.