في انتظار الردّ……
مرّت المهل التي توقّعتها مصادر من هنا وهناك، وبينها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لقيام إيران و”حزب الله” بتوجيه ضربة، تُعتبر ردّاً على اغتيال كلّ من فؤاد شكر في الضاحية واسماعيل هنيّة في طهران. ولكن الردّ المنتظر لم يحصل بعد.
وأتت كلمة الأمين العام للحزب حسن نصر الله أمس لتوحي بتراجع أسهم الضربة، على الأقل من حيث قرب حدوثها. فهي غير محدّدة في الزمان والمكان، ويمكن للتوقيت أن يكون مطّاطياً، طالما استدعت الضرورة ذلك. وحتّى شكل الردّ غير واضح. ومع كثرة السيناريوات له، يحرص الحزب وإيران على إشاعة الضبابية والغموض حول حجم الضربة أو الضربات. والأبرز أنّ الأمين العام للحزب حاول إعفاء إيران من الردّ بنفسها، عندما قال إن ليس المطلوب من إيران الدخول في قتال دائم.
ربّما يكون الردّ من منظار الحزب قد بدأ فعلاً. وقد قال نصر الله بنفسه إنّ الانتظار الإسرائيلي للردّ هو جزء من العقاب، لأنّ المعركة نفسيّة وعسكريّة في آن. وبالفعل، سيطرت على إسرائيل في الأيّام الماضية كلّ أجواء الحرب الكبرى، ولو لم تحصل. ولوّح نصر الله بإمكان الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي، إذ هدّد بأنّ المصانع والمؤسّسات في شمال إسرائيل، والتي تبلغ كلفتها حوالى 130 مليار دولار “بيروحو بنص ساعة”. وبالفعل، سُجّلت خسائر اقتصادية، خصوصاً بسبب تعثّر حركة مطار بن غوريون، ما جعل نصر الله يعتبر أنّ إسرائيل “تقف على رِجل ونص”.
وإذا كانت الحرب النفسية جزءاً من الردّ، فإنّ استمرار حرب الاستنزاف، كما هي اليوم، قد يكون جزءاً آخر من هذا الردّ الموعود. وهذا الحالة ستبقي مناطق شمال إسرائيل في قلق مستمر، ولن يتمكّن السكّان من العودة إلى بيوتهم، وهذا ما تريد إسرائيل حسمه بسرعة.
ولكن، هل سيستسلم بنيامين نتنياهو لاستراتيجية الحرب النفسية وحرب الاستنزاف، وهو الذي استفزّ الحزب في معقله وإيران في عاصمتها، من أجل استجلاب الردّ، وتفجير حرب واسعة، تضطر الولايات المتحدة إلى التورّط فيها في شكل من الأشكال؟
إذا كانت إيران تريد اللعب على الوقت لتمرير المرحلة، فإنّ عامل الوقت هو الأساس بالنسبة إلى نتنياهو، الذي يسعى لاستغلال الأشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد الانتخابات الأميركية والتي تتزامن مع إجازة الكنيست، من أجل فرض أمر واقع عبر الحرب، يُلزم الرئيس الأميركي المقبل أو الرئيسة المقبلة.
وفي الواقع، فإنّ إسرائيل درست إمكان توجيه ضربة استباقية لمنصّات الصواريخ أو مواقع معيّنة، منعاً لحصول الردّ. ولكنّ اتّصالات دولية وضغوطاً لم تسمح بتوجيه هذه الضربة. إنّما هذا لا يعني أن ليس في إمكان نتنياهو مثلاً الاستمرار في سياسة الاغتيالات. وربّما يستهدف قياديين كباراً على غرار ضربتي الضاحية وطهران، من أجل تأجيج نار الحرب، خصوصاً أنّه لم يعد يكترث لرأي واشنطن ونصائحها كثيرا.
هذا الوضع الشديد التوتّر دفع روسيا إلى الدخول على الخطّ، حيث زار وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو طهران، في محاولة لثني إيران عن توجيه ردّ كبير على إسرائيل. وقد أوصل إليها رسالة تفيد بأنّ روسيا لن يكون في إمكانها تقديم المساعدة، إذا اتّسعت الحرب، وهي تنصح بعدم جرّ الأمور إلى صراع إقليمي.
هل ما زالت أبواب الحلول مفتوحة إذاً؟
لقد شهدت الأيّام الماضية كثافة لا مثيل لها من الاتصالات دوليّاً وإقليمياً، في محاولة لمنع التصعيد في المنطقة. وربّما لا يزال هناك مجال للحلول السياسية. ولكن هذا يقتضي، من منظار “حزب الله”، التوصل أوّلاً إلى اتفاق مع حركة “حماس” يضمن وقف النار وإعادة الرهائن. وهذا من شأنه أن يضمن خفضاً فوريا ًلحدة التوتر وتوقّفاً لعمليات الإسناد من الجانب اللبناني.
ولكن، ليس هذا هذا هو المخرج الذي يريده نتنياهو. فهو يبغي أوّلاً تحقيق المزيد من الانتصارات في غزّة، من أجل التخلّص من الحركة، بما يسمح له لاحقاً بفرض الحل السياسي المناسب له، والذي لا ينصّ في أيّ حال من الأحوال على دولة فلسطينية.
أمّا بالنسبة إلى لبنان، فلا يناسب نتنياهو ما سيبدو في النهاية أنّه رضوخ لمنطق الحزب، بمعنى أنّ وقف الحرب في غزّة يؤدّي تلقائيّاً إلى وقف العمليات من الجانب اللبناني.
فلبنان أضحى ملفّاً قائماّ بذاته، في معزل عن ملفّ غزّة، بالنسبة إلى إسرائيل. ولا يريد نتنياهو الوصول إلى مفاوضات مع الحزب حول الترتيبات الأمنية في جنوب لبنان من موقع ضعيف. لذا، سيلعب كلّ أوراق القوة من الآن وحتى يأتي وقت التفاوض، ليضمن انسحاباً لعناصر الحزب إلى ما وراء الليطاني على الأقلّ.