رياح تطورات مرتقبة تلفح بقوة لبنان والمنطقة
تشير مصادر ديبلوماسية إلى أن الأيام أو الأسابيع المقبلة ستشهد محطات تفرض مجموعة من التطورات الإقليمية والدولية ذات تأثير على الوضع في الشرق الأوسط ولبنان في شكل خاص. فقد ازدادت وتيرة الاتصالات الأميركية – الفرنسية – الإيرانية – الإسرائيلية في الأيام الأخيرة مع تعاظم المخاوف من تصعيد عسكري جنوبا بما يقضي على الحلول والمبادرات المطروحة، ومنها خطة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف القتال في غزة ولبنان والإفراج عن الرهائن. ولكن ما زال الحل حتى الآن بعيد المنال بفعل التضارب في المواقف.
وتتواصل المفاوضات عبر الوسطاء من أجل وقف النار من خلال الخطة التي وضعها الرئيس الأميركي ووافقت عليها “حماس”. لكن المخاوف من تصعيد عسكري في لبنان بعد انتهاء إسرائيل من رفح ما زالت قائمة، ويحاول الموفدون إتمام تفاهم بين الحزب وإسرائيل حول تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ لعل زيارة نتنياهو لواشنطن تحدد مصير وقف النار.
التطور الثاني يتمثل في انتخاب رئيس الجمهورية الإصلاحي في إيران مسعود بزشكيان. فالانتخاب رسالة من المرشد الخامنئي حيال نوع من الانفتاح الإيراني. وسيكون له تداعيات على الوضع الإقليمي ولبنان نظرا إلى أهمية الدور الجيوسياسي والمحوري لإيران في العديد من القضايا. ورغم أن القرار ما زال في يد المرشد، فإن انتخاب رئيس إصلاحي يعني أن السلطات الدينية والعسكرية في إيران تعول على تحسين العلاقات مع الدول الغربية. فالتعاون الديبلوماسي الذي سينتج من هذا الانفتاح سيؤدي الى جهود ديبلوماسية مكثفة لحل النزاعات الإقليمية مثل النزاع في اليمن وسوريا والحرب في غزة ولبنان من خلال المفاوضات.
وفي هذا السياق، تشكل إعادة فتح الاتفاق حول الملف النووي الذي تنتهي مهمته في ٢٠٢٥، تطورا جديدا، إذ يمكن أن يدفع الرئيس الإصلاحي نحو العودة إلى الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، وهو ما يخفف التوترات الدولية والإقليمية.
وقد يسعى الرئيس الإصلاحي إلى تحسين العلاقات مع دول الخليج العربي، وهذا بالطبع سيؤدي إلى تخفيف التوترات الطائفية والإثنية في المنطقة، وتاليا تخفيف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول أخرى.
أما التطور الثالث فقد يكون قرارا من الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن فيه عدم استمراره في خوض الانتخابات الرئاسية الأميركية. فتداعياته متعددة على الوضع في العالم والشرق الأوسط، نظرا إلى الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة في سياسة المنطقة وفي تعاملها مع الحرب في غزة وعلى جبهتي الخط الأزرق.
والحال أن قراره عدم خوض الانتخابات سيؤدي إلى تحول في السياسة الخارجية الأميركية، فتتغير الأولويات في السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط، وينتج من ذلك عدم وضوح الرؤية المستقبلية خلال الفترة الانتقالية وعدم استقرار في المنطقة حيث ستترقب الدول الإقليمية الفاعلة سياسة الإدارة الجديدة لتحديد مواقفها.
وسيؤثر انسحاب الرئيس بايدن على مستقبل الاتفاق النووي مع إيران، والتفاوض على شروطه، وانتظار إدارة جديدة لحل النزاعات الإقليمية. وسيكون له آثار اقتصادية لأنه سيفضي إلى اعادة النظر في أسعار الطاقة ومنها النفط.
اختصارا، إن إعلان بايدن عدم خوض الانتخابات سيفرض حالة من الترقب والانتظار في الشرق الأوسط، حيث ستنتظر الدول الاقليمية مواقف الرئيس الجديد للتكيف معها، وستتوقف جميع المبادرات لوقف الحرب في غزة ولبنان.
التطور الرابع هو زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن في ٢٤ تموز الجاري لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي. ويتوقع حصول تداعيات مختلفة نظرا إلى العلاقات الوثيقة التي تربط البلدين وآثار هذه الزيارة على مستقبل الحرب بين إسرائيل من جهة و”حماس” وحلفاء إيران من جهة أخرى.
ومن المتوقع أن تؤدي الزيارة إلى تعزيز العلاقات الثنائية رغم الاختلافات في المواقف، وسيتم تأكيد التحالف الإستراتيجي بين البلدين والبحث في موضوع المساعدات العسكرية والتعاون الدفاعي وتعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية، فيما اسرائيل تخوض حربين، الأولى في غزة والثانية على الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل. كما سيطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي باستمرار الضغط على إيران وحماية إسرائيل في حال تعرضها لهجوم من إيران، وبتأمين سلامة الحدود الشمالية لإسرائيل من خلال تقديم السلاح والعتاد لخوض حرب ضد “حزب الله” أو الحصول على ضمانات ديبلوماسية تؤمن سلامة هذه الحدود. وسيحاول نتنياهو الحصول على دعم واشنطن لتعزيز موقفه الداخلي في إسرائيل، خصوصا أمام التحديات السياسية التي يواجهها داخليا.
أما التطور الخامس فسيكون احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية في بداية ٢٠٢٥، وستكون التداعيات واسعة على الوضع في الشرق الأوسط ومنه لبنان الذي ينتظر توقف الحرب في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تفعيل عمل السلطات اللبنانية. وستؤدي العلاقة مع إيران الى تصعيد التوترات لأن ترامب سيتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه ايران، وقد يفضي ذلك إلى تصعيد التوترات الإقليمية وفرض عقوبات صارمة. وسيحاول ترامب إعادة التفاوض على الاتفاق النووي مع إيران، مما سيضع المنطقة في حالة عدم استقرار. وسيعزز تحالفاته مع الدول العربية، ويدعم التطبيع بين إسرائيل ودول عربية.
وبالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني فإن ترامب سيدعم إسرائيل، مما قد يعقد جهود السلام مع الفلسطينيين. وسيتبنى مواقف أكثر حدة حيال التدخلات الإيرانية في سوريا واليمن، ويستمر في دعم التحالف الذي تقوده السعودية، بما يعقد حل النزاع.
وبالوصول إلى لبنان، فإن مبادرة هوكشتاين ستتوقف. وقد يتم تعيين موفد آخر وربما لا، بمعنى أن الحرب الدائرة يمكن أن تستمر أو حتى تتصاعد نظرا إلى موقف ترامب المؤيد لإسرائيل.
وسيشدد العقوبات على “حزب الله” بما يزيد الضغوط الاقتصادية والسياسية على لبنان. وستؤدي هذه العقوبات إلى زيادة التوترات الداخلية بين الأفرقاء السياسيين. وهذه العلاقة ستؤثر بالطبع على الاستقرار السياسي في البلد، علما أن التشدد في السياسة الأميركية يمكن أن يفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية ويزيد صعوبة تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ويضيف تحديات جديدة يواجهها البلد.
فتشابك هذه التطورات في ما بينها يجعل قراءة المستقبل اللبناني في الأجل غير المتوسط صعبة المنال.