خاص: إيران تلعب على حافة الهاوية

خاص: إيران تلعب على حافة الهاوية

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
20 كانون الثاني 2024

بعدما تعثّرت المحاولات الدبلوماسية الأميركية للخروج من الحرب في غزّة وإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، ارتفع مستوى التصعيد على الأرض وفي المواقف، بما يجعل المنطقة تبدو كأنها قابلة للاشتعال بعود كبريت.
لاحظ “حزب الله” أن إسرائيل تفشل في تحقيق الأهداف التي وضعتها في غزّة، وباتت تتخبّط في المخارج الممكنة، فرفع سقف خطابه، وتمّ إبلاغ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين رفض البحث في أي حلول قبل وقف الحرب في القطاع.
وبالتزامن، صعّدت إيران عبر قيامها بنفسها، وليس فقط عبر الوكلاء، بتوجيه ضربات إلى مواقع محددة في إربيل وسوريا، رداً على هجمات تعرّضت لها، أبرزها التفجير قرب مدفن قاسم سليماني في كرمان والذي أدّى إلى سقوط قرابة المئة قتيل. ولكن التطور الأخطر جرى على الحدود الايرانية الباكستانية، مع توجيه طهران ضربة إلى مجموعات معارضة داخل الأراضي الباكستانية، وقيام إسلام أباد بالردّ عبر ضربات مضادّة.
وأرادت إيران عبر ذلك العودة إلى اعتماد التكتيك المفضّل، وهو اللعب على حافة الهاوية، خصوصاً إذا كانت لديها معطيات تؤكّد أنّ الطرف الآخر غير مستعدّ للدخول في حرب واسعة ضدّها. فتعمد إلى رفع سقف المخاطر، علّها تحصل في المقابل على مزيد من التنازلات في أي مفاوضات محتملة.
صحيح أن القوات الأميركية نفّذت بالتعاون مع بريطانيا غارات عدّة على أهداف في اليمن، بعد شهر ونصف الشهر من الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، إلّا أنّ واشنطن أكّدت في الوقت عينه أنّها لا تنوي توجيه ضربة إلى إيران أو توسيع نطاق الحرب. وفي هذا المستوى المنخفض من الضربات، يمكن للحوثيّين أن يستمرّوا في استهداف السفن وتهديد التجارة العالمية. ومن الصعوبة أن تتمكّن البوارج الغربيّة من تأمين البحر الأحمر وباب المندب في شكل كامل، ما لم تقم بهجوم واسع، تسيطر فيه على الموانئ، وتُبعد عناصر الحوثيّ إلى الداخل. كما أنّ توجيه ضربات بهذا الحجم إلى الحوثيين، سيقوّض محادثات السلام في الملف اليمني السعودي، ما يهدّد بعودة استهداف الأراضي السعودية، وهو الأمر الذي لا تريده الرياض، وقد أبلغت واشنطن بذلك.
إضافة إلى ذلك، عمدت إيران إلى توسيع نطاق عملياتها، فاستهدفت خلايا معارضة داخل حدود باكستان التي سارعت إلى الردّ. ومعلوم أنّ اللعب مع هذه الجارة ليس سهلاً. فهي دولة نووية، وجيشها يعدّ سابع أقوى الجيوش في العالم. وقد تكون البديل “السنيّ” عن السعودية في مواجهة طهران. ولكن الجانبين يعرفان مخاطر توسيع رقعة التوتر. لذا اكتفيا الآن بتبادل الرسائل.
وفي المقلب المناوئ، تبدو إسرائيل مرتبكة في التعامل مع ملف غزّة وأيضاً مع كيفية إبعاد “حزب الله” عن حدودها. فهي استنفدت أدوات التصعيد، لا بل أنّها تتجه عن قصد أو بشكل تلقائي إلى تخفيف حدّة الضربات والاستمرار في حرب استنزاف. وهذا الواقع سيطيل عمر الحرب ويؤخّر الحلول السياسية. وهو يصب في مصلحة بنيامين نتنياهو لناحية أن بقاءه في السلطة بات منوطاً باستمرار الحرب. ولكن، ثمة توجه آخر، يقول إن حرب استنزاف طويلة قد تفسح في المجال للمعارضين في إسرائيل لإطاحة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة. ومن أجل تحاشي ذلك، قد يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تفجير الجبهة في لبنان للتغطية على التعثر في غزّة. وهو يأمل أن تطول الحرب حتى موعد الانتخابات الأميركية. وعندها قد يصل إلى البيت الأبيض الرئيس المفضّل لديه دونالد ترامب.
بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، يبدو أن المشكلة باتت تكمن في وجود نتنياهو على رأس السلطة. فهو لا يوافق على مناقشة ما يعرف بـ “اليوم التالي”، ويرفض الطروحات الأميركية في هذا المجال. وقد جرى اتصال السبت بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو، بعد الأتصال الأخير الذي قام فيه بايدن بإنهاء المكالمة. ولكن الرئيس الأميركي حرص هذه المرّة أيضاً إعى التأكيد أن لا حل إلا بدولة فلسطينية.
معركة عضّ الأصابع محتدمة بين البيت الأبيض وتل أبيب من جهة، وبين طهران وواشنطن من جهة ثانية. وكل الساحات مشرعة للحروب، كما للحلول السياسية. ويبقى تحديد الاتجاه بين الخيارين رهن عوامل كثيرة معقدة ومتشابكة.