طلّاب “الرسميّة” يستنجدون ولكن… الامتحانات في موعدها وستراعي الظروف!
بدأ العدّ العكسيّ لإجراء الامتحانات الرسمية، وتبلّغت كلّ المدارس الأسبوع الفائت عن تاريخ اتمام الاستحقاق التربويّ، مع التوجّه لإنجازها في بداية شهر تموز، وتحديداً في السادس منه. وكان أكّد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أن “لا تأجيل ولا إلغاء للامتحانات الرسمية، حيث ستكون جديّة، ولا يجوز بعد ما مرّ على تلامذة لبنان أن يبقوا من دون شهادة رسمية، ولهذا نحن مصرّون على إجرائها كي لا نخسر قيمة العلم في لبنان”.
وقد يغيب عن البعض سبب إلحاح واصرار وزارة التربية على إنجاز الامتحانات بالرغم من عدم اكتمال المنهج في المدارس الرسمية، خاصةً أنّ جُلّ ما أُنجز هو 35 في المئة من المنهج التعليمي، فيما أُنجز المنهج بنسبة تصل الى 100 في المئة في المدارس الخاصة، ما يضع تلامذة المدارس الرسميّة أمام ضغط ومأزق من أجل “النجاة”.
إزاء هذا الواقع تتكاثر التكهّنات والتأويلات حول مصير الطلاب مع الامتحانات التي ستُستهل بداية شهر تموز، تالياً لدى التلامذة أقلّ من شهرين لإتمام ما تبقّى من المنهج، فهل من وسيلة لحلحلة هذه المعضلة؟
“العدالة لجميع الطلّاب”
خلال جلسة لمجلس النواب، أخذ النائب وعضو لجنة التربية النيابية بلال الحشيمي المنبر وطالب بإنصاف طلاب المدارس الرسمية مؤكّداً في حديث لـ”النهار” أنّ “اقتراح تقليص الدروس ليس حلّاً، إذ أنّها مرتبطة جميعها بعضها ببعض، ولا يمكن فصلها”.
ولفت الى أنّه في حال اعتمدت وزارة التربية المنهجية المعتادة، سنشهد فرقاً شاسعاً في نتائج هذا العام بين مختلف الطلاب (في العلامات)، إذ سيؤدّي هذا الأمر الى التوجّه نحو المدارس الخاصة ونسف المدرسة الرسمية، ويكون الأمر بمثابة ضربة قاضية على ما تبقّى من مؤسسات الدولة، أوّلها التعليم.
وفي السياق، شدّد الحشيمي على أهمية إعادة النظر في محتوى الامتحانات، حيث يجدر بالوزارة التركيز على القطاع الرسميّ والأخذ بالاعتبار المستوى التعليمي الضئيل الذي حصلوا عليه بعد موجة الإضرابات التي اجتاحت هذا العام، مضيفاً: “علينا الاتفاق جميعاً على طاولة واحدة، والبحث عن أفضل الطرق لإنصاف طلاب “الرسمية”، قبل فوات الأوان”.
“الامتحانات قائمة”
وفي ما خصّ مصير شهادات المتوسّطة، أكّد الحشيمي أنّه مع إلغائها بشكل نهائيّ، معتبراً أنّ لا أهميّة لها في البلدان الأخرى، تالياً الأموال التي ستُنفق على امتحانات الشهادة المتوسّطة، من الأفضل أن تصبّ لصالح امتحانات البكالوريا، مضيفاً: “يجب أن تتمّ امتحانات البكالوريا بطريقة مدروسة، وكان قد تواصل معي العديد من طلّاب الرسمية مطالبين بإنصافهم”.
وشارك الحشيمي رسالة نصيّة تلقّاها من طالبة سنة ثالثة ثانويّة حصلت عليها “النهار”، جاء فيها: “أنا طالبة ثالث ثانوي عم بحكيك باسمي وباسم طلاب، ما حدا واقف معنا، نحنا إلنا من عطلة عيد الميلاد منّا رايحين عالمدرسة كيف بدنا نعمل امتحانات وبعدنا مش آخدين شي من المنهج، صح في مدارس فاتحة بس الأساتذة مش عم تعطي عم نقضّي وقتنا كلو بالملعب ما حدا عم يحسّ فينا”.
وفي تقرير نشره مركز الدراسات اللبنانية تحت عنوان “كلفة التعليم في لبنان إنفاق الخزينة وإنفاق المجتمع”، لفت الى أنّ “بعد الإغلاق القسريّ والتعثّر في إطلاق السنة الدراسية لسنتين متتاليتين (مع تخفيض أيام التدريس الى 96 يوماً، خاصّة في الرسمي مع 60 يوم تدريس فعليّ)، سيسجل لبنان تراجعاً في فعالية سنوات التعليم، على الأقلّ ثلاث سنوات، ليصل الى نصف متوسّطه السابق، في ظلّ غياب خطّة تعافٍ فعّالة وتعويض للفاقد التعليميّ”.
من جهته، توقّع الخبير التربويّ نمر فريحة في حديث لـ”النهار” أنّ “الامتحانات الرسمية ستكون سهلة “نسبيّاً”، وستكون بمثابة مستوى مدارس الرسميّة، مضيفاً: “عادةً من يحضّر الامتحانات هم أساتذة المدرسية الرسمية، تالياً من المنتظر أن تُراعى الظروف”.
وأضاف فريحة: “لكن ستكون هذه العملية ضمن “الشكليّات”، لأنّ واقع القطاع التربويّ أضحى كارثيّاً”.
مردود ما وراء الستار
وأشارت مصادر مطلّعة الى أنّ التمويل الحاصل لإنجاز الامتحانات هو أجنبيّ، وهناك من يستفيد من هذه العملية، منهم أساتذة، ومراقبون، والمشكلة أنّ معظم من يستفيد من الإرادات المادية هم من صنّاع القرار.
وفي تقرير مركز الدراسات اللبنانية عن إنفاق وزارة التربية، تطرّق الى المردود الماديّ الذي حصلت عليه وزارة التربية من الجهات المانحة، فأشار الى أنّ “ما أنفق على التعليمالرسميّ والخاصّ خلال السنوات العشر الماضية، يصل الى 43 مليار دولار، لتعليم نحومليون طفل سنويّاً، لافتاً الى أنّ “ما نحصل عليه في المقابل هو جودة متدنّيةونتائج تراجعيّة لن يعود بالفائدة الاقتصادية المرتجاة من التعليم”.
كما أتى في التقرير “قيمة دعم برنامج توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنـان ” S2R2″، الممتدّة من عام 2017 لغاية 2023 بتمويل من جهات مانحة تصل الى ما قيمته 204 ملايين دولار (100 مليـون قــرض و104 هبات)، بالإضافة الى الخطّة الخمسيّة لقطــاع التعليــم 2021-2025 بتمويل من جهات مانحة على شكل قروض ومساعدات وهبات عينيّة”.
بالتالي فإنّ موازنة الخطّة التي وضعتها وزارة التربية بحسب التقرير “تصل الى 840 مليون دولار، مع الإشارة الى أنّ التمويــل ما زال متعثّراً ومشروطاً بإطلاق مشروع TREF للحوكمة ولتطوير النظم الإدارية والرقابة المالية في وزارة التربية”.
المزيد من التعثّر
وتوقّع المركز “أن تستمرّ الوزارة في نهجها للعام المقبل 2023-2024. واستناداً الى تجربة السنة الحالية توقّعت أن يستمرّ التعثّر وأن يرتفع تراكم أيام التدريس الفعلية المفقودة إلى 900 يوم في التعليم الرسميّ و757 يوماً في الخاصّ. جزء كبير من تراكم هذا الفقدان بسبب قرارات وزارة التربية في تقليص أيّام التدريس، وقسم آخر يعود لتعثّر انتظام وتمويل العام الدراسيّ، فضلاً عن الإضرابات، وسنشهد خسارة ما يقارب 5 أعوام من أيّام التدريس الفعليّ من أصل 9 سنوات وكفاءات ومهارات ومعارف مفقودة مع فقدان أيام التدريس الفعليّة، ما يتوجّب خطّة طارئة وسريعة لاستعادة انتظام العام الدراسيّ وتعويض ما تمّت خسارته والتي تتطلّب سنوات عدّة لتعويضها، وهذا يشمل القطاعين العام والخاصّ”.
وإزاء هذا الواقع، يُرهَن مستقبل تلامذة المدرسة الرسميّة لمصير مجهول، ولعلّ هذه الامتحانات قد تكون أفضل من إفادة، لكنّنا حين نعلم أنّ جُلّ ما تكترث به دولتنا هو الإرادات الماديّة، ومحاولة تحصيل المال من وراء الستار، نتأكّد ألّا أمل في دولة “منهوبة”، لتتّسع عمّق الفجوة وتطال هذه المرّة القطاع التربويّ.