خاص – حظوظ التسوية في الجنوب ما زالت كبيرة

خاص – حظوظ التسوية في الجنوب ما زالت كبيرة

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
26 حزيران 2024

ارتفعت في اليومين الماضيين وتيرة التصعيد الميداني بين إسرائيل و”حزب الله”، وارتفعت معها أصوات التهديد المتبادل واستعراض القوّة والحرب النفسية الإعلامية. وهرع المسؤولون الدوليون إلى إطلاق التحذيرات من حرب شاملة، وكثّفوا الاتصالات على أكثر من خطّ في محاولة لاحتواء التدهور.

وبدأ الكلام يكبر على سيناريو الحرب، إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لكلّ من تلّ أبيب وبيروت، حيث حاول من جديد تلمّس إمكان التوصل إلى تسوية سياسية. وعاد إلى بلاده من دون أيّ ضمانات. وتزامن مع هذه الزيارة كلام الأمين العام للحزب حسن نصر الله، الذي رفع وتيرة التهديدات، ووسّع من مداها، بدءاً من حيفا وصولاً إلى قبرص.

ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ. فأوردت صحيفة “تيليغراف” البريطانية تقريراً، يشير إلى أن الحزب يخزّن كميات كبيرة من الأسلحة والصواريخ في مطار بيروت الدولي، الأمر الذي سارع لبنان الرسمي إلى نفيه. وترافق ذلك مع التلويح بأنّ قوّات موالية لإيران ستتدفّق إلى لبنان للمساندة في أيّ حرب مع إسرائيل، فيما أكّدت مصادر أميركية في المقابل وقوف واشنطن إلى جانب تلّ أبيب في حال نشوب حرب، بالتزامن مع توجّه حاملة الطائرات الأميركية “ايزنهاور” إلى المتوسط.

ولكن، وعلى رغم كلّ هذا التهويل، هناك معلومات تشير إلى أنّ الصورة ليست بهذه القتامة. فمهمّة هوكشتاين لم تفشل، بل وُضعت على الرفّ إلى حين انتهاء حرب غزّة، أو على الأقلّ انتهاء المعارك الكبرى فيها. ويعرف الموفد الأميركي تمام المعرفة أن لا تفاوض ممكناً حول الملفّ اللبناني ما لم تتوقف الحرب في القطاع. ولكنّه جاء ليحذّر الأطراف المعنيّة من أيّ خطوة ناقصة في هذه الأثناء.

واستناداً إلى مصادر المعلومات، فإنّ خطة هوكشتاين للحلّ التي عرضها في المرّة الأولى شهدت تعديلات عليها بحكم الأمر الواقع. فهناك أوّلاً خلافات على ترسيم الحدود. وثانياً أبلغ الحزب موقفه الرافض لانسحاب عناصره وسلاحه من منطقة جنوب الليطاني، كما كان مطروحاً في السابق. كما يرفض تعزيز مهمّات قوات الطوارئ الدولية في الجنوب. وهو يريد باختصار العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 7 تشرين الأول لا أكثر ولا أقلّ.

فهل أصبح الحزب بعد تسعة أشهر من حرب المشاغلة، وما رافقها من تطوّرات إقليمية، قادراً على فرض شروطه في الحلّ السياسي المقبل؟

في الواقع، هناك عوامل عدّة جعلت قوّة الردع التي يمثّلها الحزب تفرض نفسها. وأهمّ هذه العوامل أنّ إسرائيل غير راغبة في فتح جبهة جديدة، وتريد التركيز على غزّة. وحتّى لو انتهت المعارك الكبرى في القطاع خلال أسابيع، كما يتوقّع المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، فإنّ التحدّيات الاخرى لن تنتهي قريباً. فالكلام على هزيمة “حماس” هزيمة نهائية يبدو غير واقعي أبداً. فحتّى الساعة ما زالت الحركة قادرة على التحرّك في الميدان، وبدأت تنفيذ عمليّات في الشمال. وهذا يعني أنّ التحدّي الأمني سيبقى قائماً لفترة طويلة. وربّما يتحوّل مسار الحرب إلى عملياّت متنقّلة تنفّذها الحركة، عبر تفجير عبوات واستهداف قوافل عسكرية إسرائيلية وغير ذلك.

يضاف إلى ذلك تحدّي الحكم المستقبلي في القطاع، وما هي أشكال الحكم التي يمكن أن تطبّق، وماذا سيكون موقف “حماس” التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنّها تستقطب شعبية بين الفلسطينيين أكبر ممّا كان عليه الوضع قبل هجوم “طوفان الأقصى”.

واستناداً إلى كلّ ذلك، فإنّ ما يهمّ إسرائيل حيال الوضع مع لبنان، هو ضمان عدم تعرّض مناطقها الشمالية لأيّ هجوم. وهي لا تكترث للطريقة التي يمكن تحقيق ذلك من خلالها. وربّما يمكنها أن تركن إلى ضمانة أميركية في هذا المجال، في حال تمّ التوصّل إلى تفاهم ما مع لبنان. ويمكنها عندها أن تجد الصيغة التي تُقنع من خلالها السكان بالعودة إلى منازلهم والشعور بالأمان.

لقد نفّذت إسرائيل عمليّات اغتيال عدّة، شملت مسؤولين كباراً وقادة عسكريين في الحزب يعملون في مواقع حسّاسة. وهي تروّج أنّها تمكّنت من إبعاد “قوات الرضوان” عن الحدود مسافة كافية لمنع أيّ هجوم مباغت. وربّما يكون هذا كافياً بالنسبة إليها، ويشكّل بديلاً من خوض غمار حرب ثانية بعد غزّة، سيكون لها تداعيات في كل الاتجاهات، وربّما تتسبّب في حرب إقليمية.

تستعمل إسرائيل أوراقها الواحدة تلو الأخرى للجم الحزب، ومنها تهديد مطار بيروت والمرافق، والتلويح بالدعم الأميركي. كما يلعب الحزب أيضاً أوراق الردع لديه، من استعراض الأسلحة والقدرات، إلى التلويح بانضمام ميليشيات موالية لإيران في الحرب إلى جانب الحزب، من دون استبعاد إمكان التدخّل الإيراني. وعلى رغم ذلك، يقرأ العديد من المراقبين في هذا التصعيد المتبادل رفعاً لسقف الشروط في التفاوض، إذ ما زال طرفا الحرب يتركان المجال للتسوية، ولو بعد حين.