خاص- حان وقت الحسم على الجبهة مع لبنان

خاص- حان وقت الحسم على الجبهة مع لبنان

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
22 حزيران 2024

من الصعب التنبّؤ بأنّ حرباً كبيرة ستندلع بين إسرائيل و”حزب الله” أو أنّ التصعيد سيبقى عند سقوف محدّدة. ولكن ما صار شبه واضح، هو أنّ أوان الحسم على الجبهة اللبنانية اقترب جدّاً.
تكاد الحرب في غزّة تشرف على نهايتها، من حيث العمليات العسكرية الكبرى. وتحتاج المعركة في رفح، حسب مسؤولين عسكريين إسرائيليين، إلى بضعة أسابيع فقط. وبعدها سيتحوّل الميدان إلى ساحات اشتباكات صغيرة وعمليّات محصورة، أي إلى حرب استنزاف قد تطول. وهذا الوضع سيفسح في المجال أمام إسرائيل للتركيز على الجبهة مع لبنان، لناحية كيفية الوصول إلى وضع يحفظ أمن سكان الشمال، سواء عبر الطرق الدبلوماسية أو العسكرية.
وما ارتفاع اللهجة لدى الأمين العام للحزب حسن نصر الله في كلمته الأخيرة، سوى مؤشّر إلى أنّ الجدّ قد بدأ. فالخيار مفتوح أمام التصعيد الكبير أو التوصّل إلى تسوية عبر الخطّة التي يحملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، والتي عاود طرحها في زيارته قبل أيّام لكلّ من إسرائيل ولبنان. وصحيح أنّ الأيّام التي تزامنت مع جولة هوكشتاين حفلت بتصعيد عسكريّ كبير وبمواقف وتهديدات ناريّة متبادلة، لكن ذلك لا يعني أن الطريق أُقفل أمام الحلّ الدبلوماسي. ويرى مراقبون أنّ ما يجري هو، حتّى الآن، مجرّد رفع لسقوف التفاوض.
من ناحية لبنان، تميّز كلام نصر الله الأخير بأنّه الكلام الأعلى سقفاً منذ اندلاع الحرب في غزّة، حين كان خطابه الأوّل كناية عن تأكيد أنّ الحزب لن يشنّ هجوماً واسعاً على إسرائيل، تدرُّجاً إلى ربط مشاركة الحزب بانتهاء الحرب في القطاع، ثمّ الإيحاء بالقبول بالحلّ الأميركي، وصولاً اليوم إلى التهديد ببنك أهداف وبأسلحة جديدة. وما كان نصر الله ليطلق كلّ هذه التهديدات، لو لم يكن يدرك نقاط الضعف المستجدّة لدى إسرائيل بعد تسعة أشهر من الحرب.
فالوضع اليوم مختلف عمّا كان عليه في 7 تشرين الأوّل. إذ إنّ الجيش الإسرائيلي أٌنهك في المعارك المستمرّة. وعلى رغم امتلاكه الطائرات الحربية والأسلحة المتطوّرة والتكنولوجيا، فإنّ شنّ حربين متتاليتين في وقت زمني قصير يعُتبر أمراً صعباً بالنسبة إلى الجيوش. كما أنّ واشنطن والغرب اللذين دعما تلّ أبيب دعماً شبه مطلق، عندما شنّت حرباً ماحقة على غزّة، إثر هجوم “طوفان الأقصى”، يعترضان اليوم على أيّ حرب مدمّرة تشنّها على لبنان. إضافة إلى ذلك، فإنّ الرأي العام الغربي الذي أيّد الهجوم الإٍسرائيلي في الأشهر الأولى، تغيّر ولم يعد في صالح إسرائيل التي ترتكب مجازر في حقّ المدنيين والأطفال.
أمّا استراتيجياً، فإنّ الهجوم المعلن عنه مسبقاً، الذي شنّته إيران في 13 نيسان على إسرائيل، فقد شكّل نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه أيّ تدخّل إيراني في الحرب. صحيح أن الصواريخ والمسيّرات الإيرانية تمّ إسقاط أغلبها في الهجوم – البروفة، إلّا أنّ الهجوم الحقيقي، إذا وقع، فلن يكون في الإمكان ردّه بالكامل. وليست الدول الغربية في جهوزية دائمة لردع أيّ تدخّل إيراني. ويبدو أنّ إيران، حسب المعلومات المتداولة، لن تسكت في حال تهدّدت ذراعها الأهم، أي “حزب الله”، وستردّ على إسرائيل مباشرة.
لذا، فإنّ إسرائيل ترى أنّ من مصلحتها حلّ المشكلة الأمنية مع لبنان بالطرق الدبلوماسية. وإذا تعذّر، فسترفع من وتيرة عمليّاتها وتضرب أهدافاً في كل لبنان، تطال أيضاً البنى التحتية، بهدف لجم اندفاعة الحزب، وحضّه على الدخول في مفاوضات معقولة الشروط.
ولكن الحزب في المقابل أيضاً، ومع التهديدات التي أطلقها أمينه العام، ليست الحرب خياره المفضّل. وهو يعرف أنّه قد يسبّب أضراراً كبيرة لإسرائيل، ولكن لن يمكنه أن يهزمها في النهاية. وما التهديدات والتصعيد سوى وسيلة لرفع سقف المطالب في أيّ مفاوضات مقبلة. وما يعمل عليه الحزب بعد انتهاء الحرب في غزّة، هو محاولة العودة إلى الستاتيكو الذي كان قائماً على الحدود الجنوبية قبل 7 تشرين. وهذا، إن حصل، سيكون الخيار المفضّل لديه. فهو سيلتزم عدم مهاجمة إسرائيل، لكنه لن يقبل بالانسحاب إلى جنوب الليطاني انسحاباً فعلياً مع دور فاعل للقوات الدولية. إنمّا يقبل بإزالة المظاهر المسلّحة فقط.
ويأمل الحزب في أن تقبل إسرائيل في النهاية بهذه الترتيبات. وهكذا يحافظ هو على كامل قوّته العسكرية والجهوزية، ويُحكِم في الموازاة السيطرة على الداخل اللبناني، خصوصاً إذا نال جائزة ترضية من واشنطن عبر ما يعده به هوكشتاين من ترسيم ومن مزايا اقتصادية ونفطية.