على مَن تقرأ مزاميرك؟
لا ندري مَن تراه سيكون في حاجة أكثر إلى النصح والتنبه من معادلة العقم التي تتحكم بمجمل الواقع اللبناني وخصوصا منذ بداية ازمة الفراغ الرئاسي، التي يتبادل فيها لبنان والمجتمع الدولي برمّته عملية لحس المبرد تحت عنوان قرع أجراس الإنذار. لا يمر يوم ولا يسمع فيه اللبنانيون ان الدول والجهات الخارجية المهتمة والمعنية بأزمات لبنان تجدد وتكرر تحذيراتها للقوى اللبنانية من مغبة المضي في الفراغ وترك لبنان ينزلق الى الأسوأ حتى حدود التلويح بعقوبات على معطلي الانتخابات الرئاسية، وطبعا مرت 18 شهرا حتى الساعة بلا أي أثر لمجمل هذه المقارعة الفارغة. لم يطل الامر كثيرا حتى ابتُلي لبنان بما سمّي “ربط الساحات” وانبرى “حزب الله” بديموقراطية عقيدته المعروفة الى التفرد بإشهار حرب المشاغلة على إسرائيل باحتقار كامل لوجود دولة وقوى سياسية أخرى وناس لا يشاطرون ناسه الموقف والرؤية والتوجه والارتباط وكل المشتقات. انهالت ولا تزال تنهال علينا منذ الثامن من تشرين أيضا التحذيرات وقرع أجراس الإنذارات الغربية والعربية والخارجية عموما من الخطورة الفادحة لانزلاق لبنان الى ساحة تفجير لحرب إقليمية، وعبثاً تفعل كل الإنذارات وأجراسها شيئا في فرملة الاندفاع نحو ذاك الاحتمال الجهنمي.
وتشاء دورة الزمن ان يحل موعد مؤتمر بروكسيل الأوروبي المعني سنويا بمراجعة الازمة والحرب في سوريا وملف النازحين السوريين في سوريا وجوارها، فاذا بنا هذه السنة امام التحول الأشد دراماتيكية في ترجمة انفجار لم يعد مكبوتا ولا مكتوما في اعتمال الرفض اللبناني لسياسات الأمم المتحدة وأوروبا تحديدا حيال كارثة النازحين السوريين في لبنان. ولعل ما واكب التعبير اللبناني في بروكسيل وقبل المؤتمر حتى بزمن طويل شكّل واقعيا الصورة الأكثر وضوحا لإشكالية التعامل العقيم بين لبنان والمجتمع الدولي حيال معظم ازماته. أسمعَ لبنان الأوروبيين وعبرهم العالم استعداده لرفض الانصياع بعد اليوم لكل ما يُفرض عليه في تمديد التوطين المباشر والمقنَّع للنازحين السوريين واستعداده لجعل التدابير القانونية اللبنانية الفاصل الوحيد في التعامل مع كارثتهم. ولكن “على مَن تقرأ مزاميرك يا داود”، لأن اذان أوروبا وعيونها ومصالحها لا تتسع بعد لتبديل استراتيجية “العودة الطوعية والآمنة” للنازحين والاستمرار تاليا في تمديد الكارثة بحفنة رشاوى من اليورو تتجدد سنويا.
أسمعَ الأوروبيون اللبنانيين منذ انفجار حرب النظام الاسدي على شعبه وتهجير اكثر من مليوني سوري الى لبنان، مئات الإنذارات من “وحشية” الشعبوية في التعامل مع النازحين… وسمعوا ويسمعون من اللبنانيين الإنذارات المتعاقبة من زوال لبنان اللبناني أمام زحف ثقل اللجوء السوري الآخذ في التعملق … وكأننا امام معادلة العقم القاتل إياها التي افضت قديما وحديثا الى تجارب مدمرة تحت وطأة عجز “الدولة” (وكانت سابقا في بعض جوانبها دولة بالحدود الدنيا) عن منع تمدد النفوذات الفلسطينية والسورية والإيرانية مع كل “خيراتها”، وسط تواطؤ خارجي يتحكم به خبث الاستراتيجيات والمصالح وفقدان دور لبنان تدريجا على مسرح العلاقات الدولية المؤثرة بعدما اختل ميزان القوى الداخلي لمصلحة القوى المرتبطة بمحور الممانعين.
لذا، وفي ظل تجربة بروكسيل الأخيرة التي “تفردت” بما اعتُبر انه “اجماع” لبناني، نتساءل: هل سيمضي لبنان في التجرؤ على رفض الانصياع لتوطين النازحين السوريين بقوة السيادة الكاملة والقانون اللبناني والإجماع اللبناني الحقيقي، أم علينا توقّع حصان طروادة ما “معلوم مجهول” ينبري لتمرير المؤامرة الجديدة القديمة من الداخل؟