خاص- اسرائيل لا تمانع في صفقة مع الحزب
لم تتوقّف الإدارة الأميركية عن القيام بالاتصالات والمفاوضات من أجل التوصّل إلى حلّ دبلوماسي للحرب الحدودية الدائرة بين إسرائيل و “حزب الله”، أو على الأقلّ لمنع توسّعها. وتجري مناقشة بنود صفقة متكاملة، تحفظ الأمن لإسرائيل على حدودها الشمالية، وتعطي للحزب مكسباً معيّناً من خلال ترسيم الحدود. ولكن أمام هذه الصفقة عقبات كثيرة، وقد لا تكون ممكنة في ضوء التطورات الميدانية المتسارعة، وخصوصاً بعد اغتيال قادة في الحرس الثوري في غارة على القنصلية الإيرانية في دمشق.
وفي تقرير نشره مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر في “معهد واشنطن” قبل يومين، أنّ واشنطن تسعى إلى التوسط في وقف لإطلاق النار وفي اتفاق أوسع يحتفظ فيه الحزب بجميع قواته، ولكن على بعُد 7 كيلومترات من الحدود على الأقل، في مقابل أن تنهي تلّ أبيب عمليّاتها الجويّة. ويتمّ نشر 15 ألف جندي لبناني جنوب الليطاني تنفيذاً للقرار 1701. ثمّ تبدأ مفاوضات بقيادة آموس هوكشتاين من أجل ترسيم الحدود. ويورد شينكر في مقاله أنّ وقف النار، إذا تمّ، سيصوّره الحزب على أنّه “نصر إلهي”. ولكن إسرائيل سترحّب بذلك.
وقد عاد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من زيارة لواشنطن، ليعلن أنّه أبلغ الأميركيين بتوسيع نطاق المعركة، وزيادة وتيرة العمليات، والانتقال من مرحلة ضرب الحزب إلى ملاحقته أينما وُجد. لكن المسؤولين الأميركيين شدّدوا على أهمية تفادي تدهور الاوضاع إلى حدّ لا يعود ممكناً ضبطها.
وبالفعل، ما زالت العمليات جنوباً ضمن قواعد اشتباك معيّنة، ولو أنّها تتّسع من وقت لآخر. فإسرائيل تؤكّد أنّها لن تقبل بأن يعود الوضع في جنوب لبنان إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين الأوّل. وهي مصمّمة على إبعاد عناصر الحزب وسلاحه إلى مسافة تتراوح ما بين 7 و10 كيلومترات من الحدود، وهي المسافة التي يمكن أن تصل إليها صواريخ “كورنيت”. أمّا الحزب الذي كان يرغب بدوره في صفقة تحفظ له مكاسبه، فقد سبقته التطورات الميدانية.
ولكن، يبدو أنّ إسرائيل تعمل بمبدأ فصل الجبهتين اللبنانية والغزّية. وهناك ضغوط متزايدة على حكومة بنيامين نتنياهو من أجل إعادة سكان الشمال إلى منازلهم قبل شهر أيلول، وهو موعد بدء العام الدراسي الجديد. لذا، فهي تريد إبعاد عناصر الحزب، وتحديداً كتيبة الرضوان إلى ما بعد الليطاني. ويورد شينكر في مقاله أن هذا الأمر سيتطلّب إمّا تنازلا كبيراً من جانب الحزب بالقبول بالانسحاب أو شنّ حملة عسكرية تجبره على التراجع.
في الواقع، تتطرّق الصفقة المفترضة إلى نقاط أساسية، أبرزها: انسحاب عناصر الحزب إلى مسافة كافية، ترسيم الحدود باستثناء مزارع شبعا، وإعطاء حوافز اقتصادية، في مقابل وقف الطلعات الجويّة الإسرائيليّة فوق الأراضي اللبنانيّة.
ولكن لدى الجانبين اعتراضات كثيرة يصعب حلّها في الوقت الراهن. فإسرائيل تريد ضمانات بأن لا تعود قوّات الرضوان إلى المناطق الحدوديّة من جديد بعد وقف النار، وهو ما حصل بعد حرب تمّوز وصدور القرار 1701. لذا، ترفض وقف الطلعات الجوية الاستكشافية، وتريد أن تعطي لنفسها الحقّ في ضرب أيّ هدف ترى أنّه يهدّد أمنها.
أمّا الحزب فمتمسّك بسياسة “الصبر” ودعم محور المقاومة وإيران، من دون إشعال حرب واسعة. وعندما يأتي وقت الحلول، فلن يضيره ترسيم الحدود، خصوصاً أنه لن يشمل مزارع شبعا، وبالتالي يبقي على الحجّة القائمة لحمل السلاح والمقاومة. وإذا ما قدّم تنازلا في شأن الانسحاب، فإنه يريد ثمناً في المقابل يترجمه في الداخل اللبناني مزيداً من إحكام السيطرة.
واستناداً إلى هذه المعادلة، فإنّ الوضع في جنوب لبنان سيكون أمام احتمالات عدّة. ولكن الاحتمال الأرجح هو استمرار الوضع على ما هو عليه. فإسرائيل ستواصل استهداف الكوادر في الحزب وفي الحرس الثوري في لبنان وسوريا، وستوسّع إطار هذه العمليات بضوء أخضر أميركي. وهكذا، تعتقد تل ابيب أنها تصل إلى غايتها تدريجاً من دون الدخول في حرب واسعة ستكون مرهقة جداّ لها، في الوقت الذي ما تزال تخوض المعارك في القطاع. أمّا الحزب فليس لديه خيار سوى الانتظار والإبقاء على ردوده ضمن السقف القائم. فإيران لا تريد الحرب، ولا ترغب في التضحية بالحزب. وهي تنتظر أن يحين أوان التسويات.