خاص- أسئلة مشروعة ستظل بلا إجابات
إنشغل العالم يوم الأحد الفائت بخبر اختفاء مروحيّة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بينما كان عائدًا من منطقة حدودية مع أذربيجان الى طهران برفقة طائرتين مروحيتين تواكبان الطائرة الرئاسية التي كان على متنها أيضًا وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين. في الساعات الأولى من الحادث تضاربت الأنباء الصادرة من طهران وعواصم أخرى بشكل مخيف سواء حول أسباب الحادث، أو حول مصير رئيسي ورفاقه العالقين في منطقة وعرة لم تتمكن فرق الإنقاذ من بلوغها لساعات طويلة، فضلًا عن العوامل الجوية المعقّدة التي أخرت عملية الإنقاذ.
صباح الإثنين توقفت الشائعات وكذلك تضارب الأخبار بإعلان الرئاسة الإيرانية عثور فرق الإنقاذ على حطام المروحية وجثث الرئيس ورفاقه الذين قيل أنهم توفوا فور حصول الحادث. ومع توقف الشائعات والأخبار المضللة بدأت الأسئلة الكبرى تطرح نفسها بهدوء وعقلانية بحثًا عن حقيقة قد لا تظهر أبدًا:
بداية، لماذا أوحت جهات دولية أن الحادث ربما يكون عملية مدبّرة، في وقت شاركت إسرائيل بخجل ولفترة قصيرة في هذه التسريبات موحية أنها وراء العملية، لتعود وتنفي مع الولايات المتحدة الأميركية بعد ساعات علاقتهما بالحادث؟
لماذا أصر ّ الإيرانيون على فرضية الحادث العرضي منذ اللحظات الأولى، من دون أن يكلفوا أنفسهم حتى الإشارة الى نظرية المؤامرة وأن الحادث قد يكون مفتعلًا ومدبرًا من جهات خارجية، خاصة وأن إيران في خضم حرب مباشرة وبالواسطة مع إسرائيل، وحروب استخباراتية باردة مع أميركا ودول أخرى في المنطقة والعالم؟
لماذا لم تُطرح نظرية الحادث المدبّر داخليًا في سياق الصراع على السلطة، خاصة أن رئيسي كان احد المرشحين الأقوياء لخلافة مرشد الجمهورية علي خامنئي قبل أن يُشطب اسمه قبل ستة أشهر من اللائحة على خلفية الاعتراض على سوء إدارته للدولة في ظل الثورة التي اندلعت ضد النظام قبل نحو عامين، فضلًا عن فشله في معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب إيران؟
انطلاقًا من هذه الأسئلة الكبرى التي لم تُطرح ولن تطرح على الأرجح، وتماشيًا مع نظرية الحادث العرضي التي تصرّ طهران على تبنيها، ثمة أسئلة من نوع آخر تطرح نفسها، وقد تقود في النهاية الى أحد الأسئلة السابقة:
دولة إقليمية كبرى مثل إيران، وريثة الأمبراطورية الفارسية، ومسيطرة بالمباشر أو بالواسطة على أربع عواصم عربية، دولة تجاهر بعدائها لإسرائيل وتهدد بإزالتها من الوجود، دولة قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة النووية، دولة منتجة لكل أنواع الصواريخ والمسيرات التي أمدّت بها حلفاءها في الشرق الأوسط والعالم، دولة بكل هذه المواصفات يستقل رئيسها في تنقلاته مروحية توقف الشيطان الأكبر (أميركا) عن إنتاجها منذ أواخر السبعينيات بحيث باتت لا تمتلك قطع الغيار الضرورية لصيانتها؟
هل يمكن ألا تكون مروحية الرئيس الإيراني قد خضعت لصيانة شاملة مدققة قبل أن يستقلها رئيسي مع وزير خارجيته وسبعة من كبار المسؤولين في الدولة، وهل يمكن أن يكون عذر عدم توفر قطع الغيار منطقيا في هذه الحالة؟
هل يمكن أن تكون الأرصاد الجوية الإيرانية غائبة عن تتبع حال الطقس في منطقة يتنقل فيها الرئيس جوًا، بحيث أعلن مكتب الرئاسة أن غيمة كبيرة ظهرت فجأة أمام الطائرات الثلاث فأمر طيار المروحية الرئاسية بزيادة الارتفاع للعبور فوقها ما أدى الى وقوع الحادث؟
هل يمكن لمروحية أن تسقط بفعل تردي الأحوال الجوية من دون أن يصدر عن قائدها معلومة أو نداء استغاثة أو ما شابه، أم أنها ربما تكون قد تعرضت لهجوم خارجي أو ربما عمل داخلي أدى الى انفجارها فجأة بشكل لم يعط الوقت لقائدها للتواصل مع القاعدة أو المروحيتين المرافقتين؟
فور وقوع الحادث أيًا كان سببه، لماذا لم تتدخل المروحيتان المرافقتان لمروحية الرئيس فورًا لمحاولة تنفيذ عملية إنقاذ فورية لركاب الطائرة، أو أقله لماذا لم تعمد الى تحديد مكان سقوط مروحية الرئيس بدقة كونها سقطت أمامها، عوضًا عن تضييع ساعات في البحث والاضطرار الى الاستعانة بمسيّرة تركية متطورة نجحت في تحديد مكان ركام الطائرة المنكوبة؟
هي أسئلة موضوعية مشروعة تطرح في الأروقة السياسية والإعلامية بخفَر احترامًا لحرمة الموت، إلا أن الوقت سيكون كفيلًا بإطلاقها الى العلن، علمًا أن العارفين في بواطن النظام الإيراني يجزمون أن هذه الأسئلة وغيرها الكثير ستظل بلا إجابات حفاظًا على هيبة النظام الذي أفقده الحادث الكثير منها كونه لا يحصل إلا في إحدى حالتين: أن يكون بفعل فاعل، أو أن يكون بفعل الإهمال وهو ما لا يحصل عادة إلا في بلدان العالم الثالث. في الحالتين لا مصلحة للنظام في كشف الحقيقة، وهي بالتأكيد لن تُكشف.