بعد اعترافات عميلَي “الموساد” حسين حدرج وخليل أبو معزة ما الرابط بين تفجير المرفأ ومخازن “حماس” و”الحزب”؟
هل يمكن أن تقود المصادفة إلى الربط بين تفجير مرفأ بيروت وتفجير، أو إنفجار، بعض مخازن الصواريخ والأسلحة التابعة لـ«حزب الله» ولحركة «حماس»؟ الدافع إلى هذا السؤال ما تكشّف من معلومات تتعلّق بتوقيف عميل الموساد القيادي في حركة «حماس» خليل أبو معزة، والعودة إلى ملف التحقيق مع عميل الموساد القيادي في «حزب الله» حسين حدرج.
في 20 آب 2020 حصل الإنفجار الكبير في مرفأ بيروت حيث كانت تُخزّن كمية 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم التي دخلت إلى لبنان على متن الباخرة روسوس في تشرين الأول 2013 وأُفرِغت في العنبر رقم 12 مطلع العام 2014.
على رغم مرور ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر تقريباً على ذلك التفجير الذي دمّر أحياء واسعة من بيروت، وأدى إلى مقتل أكثر من 230 مواطناً، وجرح نحو ستة آلاف، لا يزال التحقيق مجمّداً منذ شباط 2023 بعد ادعاء مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وبعدما كان الأخير قد استعاد في كانون الثاني حقّه في متابعة التحقيق، ورفض كل دعاوى كفّ اليد والمخاصمة التي رفعها بعض من ادعى عليهم ضدّه، معتبراً أن لا قوة يمكن أن تردّ المحقّق العدلي.
على رغم الضغط على المحقّق العدلي الأول القاضي فادي صوّان، وتهديده، ودفعه إلى التنحي بقرار شخصي، وافق البيطار على قرار تكليفه بهذا التحقيق، وتابع من حيث كان وصل صوّان، ولكنّه اتُّهم من قبل «حزب الله» وحركة «أمل» بالتسييس بعدما ذهبت الشكوك نحو علاقة ما لـ»الحزب»، أو للنظام السوري، بالنيترات وبإدخال الباخرة إلى مرفأ بيروت في عملية شبيهة بعمليات المافيات لإبعاد الشبهات. وبدل أن يُترَك القاضي البيطار يتابع التحقيق، وبدل أن يمثُلَ أمامه من اتهمهم وطلب حضورهم للإدلاء بإفاداتهم، هدّده «حزب الله» بقبعه بالقوة وصولاً إلى تسيير التظاهرة التي طالبت بإبعاده في 14 تشرين الأول 2021، وكادت تؤدي إلى اشتعال حرب أهلية في الطيونة.
تفجيرات وصواريخ
ولكن ما يمكن التوقف عنده هو تسلسل بعض الأحداث الأمنية والسياسية التي أعقبت عملية تفجير مرفأ بيروت والتي يمكن أن تكون مرتبطة به:
• في 22 أيلول 2020 انفجر مخزن كبير للذخيرة والصواريخ تابع لـ»حزب الله» في بلدة عين قانا في الجنوب سُمع دويّه على بعد نحو 20 كلم. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر أمني، أنّه انفجر بسبب خطأ فني، في حين أكد مصدر مقرّب من «الحزب» أنّ المكان يتبع له، متحدثاً عن حادث عرضي. ونُقِل عن مصادر إعلامية في «الحزب»، أنّ المركز معدّ لتجميع مخلفات حرب تموز، أي الألغام، نافية في الوقت نفسه التقارير التي تحدثت عن اغتيال شخصية قيادية في «الحزب». وقد اتخذ «الحزب» تدابير عاجلة لمنع الناس من الاقتراب من مكان الانفجار، وفرض طوقاً أمنياً، ولم يُسمح إلا لسيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية بالوصول إلى المكان. وبطبيعة الحال لم يصدر لاحقاً أي تحقيق رسمي يوضح حقيقة ما حصل.
• في 29 أيلول 2020 ردّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن وجود مخزن ومصنع صواريخ لـ»الحزب» في أحد المستودعات في الأوزاعي بدعوة الإعلاميين إلى معاينة المكان. وقد اصطحب «الحزب» الوفود الإعلامية، في الليلة نفسها وعلى عجل، إلى ذلك المستودع معلناً أنّه مستودع حديد ومعمل لتصنيع قوارير الأوكسجين. ولكن بعض الصور التي التقطها مصورون في المكان أظهرت ألواحاً من الحديد مقطعة على شكل رؤوس الصواريخ التي تشبه في الشكل قوارير الأوكسجين.
• في 9 كانون الأول 2020 حصل انفجار قيل إنّه في أحد مستودعات أسلحة «حزب الله» في بلدة جباع وكما في تفجير مستودع عين قانا منع «الحزب» الوصول إلى المكان واعتبر أنّ الحادث عرضي أيضاً. كذلك لم يكن هناك اي تحقيق رسمي حول هذا الإنفجار.
• في 21 كانون الأول 2020 اغتيل المصوّر جو بجّاني أمام منزله في الكحّالة. ثمّة معلومات ربطت عملية اغتياله بصور كان التقطها للعنبر رقم 12 في مرفأ بيروت لدى إنزال معدّات عسكرية قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية للجيش اللبناني، وبعض هذه المعلومات تحدّث عن أنّه صوّر في مستودع حديد «حزب الله» أكياساً من نيترات الأمونيوم كان يُمنع تصويرها. ولم يقدّم التحقيق الرسمي أي معلومات حول عملية الإغتيال التي صوّرتها الكاميرات الموضوعة في محيط المنزل.
• في 11 كانون الثاني 2021 حصل الإنفجار الكبير في أحد مستودعات الأسلحة التابعة لحركة «حماس» في مسجد عدي بن كعب في مخيم البرج الشمالي في منطقة صور، وقد أدّى إلى مقتل مهندس الصواريخ في الحركة حمزة شاهين وإصابة 11 شخصاً غيره. وكما حصل في مخزني «حزب الله» تمّ منع الوصول إلى المخزن وأعلنت «الحركة»، كما أعلن «حزب الله» في مستودع الأوزاعي، أنّه مصنع لقوارير الأوكسجين التي تخصصها لمساعدة المصابين بفيروس كورونا الذي كان يتفشّى بسرعة في تلك المرحلة. وكذلك لم يقدّم التحقيق الرسمي أي معلومات حول هذا الإنفجار الذي أعقبه اشتباك مع حركة «فتح» التي كانت تشارك في التشييع على رغم خلافاتها مع «حماس»، وأدّى إلى مقتل ثلاثة عناصر من «حماس» التي حضرت شخصيات قيادية منها إلى المخيم تدليلاً على أهمية العمل الذي كان يقوم به شاهين وعلى موقعه فيها. وقد سلمت حركة «فتح» المشتبه به بإطلاق النار إلى السلطة اللبنانية.
قوارير أم صواريخ؟
هل كانت هذه التفجيرات مجرّد حوادث عادية فعلاً؟ وهل كان تزامنها بعد تفجير مرفأ بيروت مجرد مصادفة؟ وهل أثار انفجار مخازن عين قانا وجباع والبرج الشمالي اهتمام «حزب الله» و»حماس» لمعرفة ما إذا كانت هذه العمليات مفتعلة ومن تنفيذ عملاء للموساد الإسرائيلي؟ وهل كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتيناهو، بإعلانه عن مخزن «حزب الله في الأوزاعي، يستفزّ السيّد حسن نصرالله لدعوة الإعلاميين إلى الذهاب إلى المكان؟
بطبيعة الحال فـ»الحزب» و»الحركة» يعرفان حقيقة ما يخزّنانه ومن المؤكّد أنّهما أجريا تحقيقاتهما الخاصة للكشف عن حقيقة الأسباب التي أدّت إلى تفجيرها. ولكن الحقائق بقيت مستورة حتى تمّ الإعلان عن توقيف شعبة المعلومات في أيلول الماضي القيادي في حركة «حماس» خليل أبو معزة، الذي جنّده الموساد الإسرائيلي في الضفة الغربية، وزرعه في قلب «الحركة» وأرسله إلى تركيا ثم إلى لبنان، ليقيم في البناء نفسه الذي أقام فيه قياديون من «الحركة» في صيدا.
وقد تكشّف من خلال ما تسرّب من التحقيق معه أنّه كان يعمل في نطاق مجموعات صناعة الصواريخ في الحركة، وعلى علاقة بالمهندس حمزة شاهين الذي قُتِل في انفجار البرج الشمالي، وكان يحمل نعشه في جنازته. وكان قريباً أيضاً من نائب رئيس المكتب السياسي في حماس صالح العاروري. فهل يعيد التحقيق مع أبو معزة الربط بين تفجيرات هذه المخازن وبين تفجير مرفأ بيروت؟
بين حدرج وأبو معزة
التحقيق مع أبو معزة أعاد أيضاً تسليط الضوء على عميل الموساد القيادي في «حزب الله» حسين حدرج الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية في 3 تشرين الأول الحالي بالسجن سبعة أعوام، بعد توقيفه قبل نحو عام. وهو كان مقاتلاً في «حزب الله» منذ العام 2011 وشارك في القتال في سوريا، وتولّى كما تسرب من التحقيق «مهمة فنية» حتى عام 2020 قبل أن يتمّ تجنيده. وقد تحدثت المعلومات المسرّبة في قضيته عن احتمال أن تكون له علاقة بتفجير مخزنيْ عين قانا وجباع، باعتبار أنّ هذه المهمة الفنية التي كان مكلفاً بها، ربما كانت تتعلق بعملية تصنيع الصواريخ أو تخزينها.
أين يقيم السيد نصرالله؟
في 2 أيلول الماضي استقبل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة وصالح العاروري. هذا الإستقبال أتى مباشرة بعد تهديد رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو باغتيال العاروري في لبنان، وقبل توقيف أبو معزة. فهل كان نتيناهو يستفزّ نصرالله ليستقبل العاروري؟ وهل كان بإمكان أبو معزة الحصول على معلومات من العاروري حول مكان اللقاء مع نصرالله؟ وهل على «الحزب» أن يعيد النظر بعد هذه التطورات بتدابير حماية أمينه العام؟
هل يمكن أن تتوسع شعبة المعلومات في التحقيق مع أبو معزة؟ وهل في ملف التحقيق مع حدرج ما يوجب الربط بين تفجيرات المخازن من عين قانا وجباع إلى البرج الشمالي مع قضية تفجير مرفأ بيروت لجهة علاقة إسرائيل بها؟ أم أنّ كل ذلك سيوضع في مجال التكهنات التي لا تستند إلى سند باعتبار أنّه من الأفضل التعتيم على هذه المسألة وعدم الذهاب في اتجاه فضح أي معلومة يمكن أن تقود إلى أي خرق في التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت؟