خاص – أزمة النازحين أكبر بكثير من المليار

خاص – أزمة النازحين أكبر بكثير من المليار

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
10 ايار 2024

لنفترض أنّ لبنان رفض قبول المليار يورو من الاتحاد الأوروبي لكي لا يُحسب أنّه يتقاضى رشوة في مقابل منع الهجرة غير الشرعية، فهل كان المليون ونصف المليون لاجئ سوري سيرحلون جميعاً انطلاقاً من الشواطئ اللبنانية إلى أوروبا، فنتخلّص بالتالي من ثقل هذا الملف عن كواهلنا؟ أو فلنفترض بالعكس قبول لبنان تقاضي هذا المبلغ، فأقصى ما يمكن للسلطات اللبنانية القيام به هو التشدّد، ومنع بضع مئات أو آلاف من التوجه إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. فهل هذا سيزيد على المشكلة عبئاً يُذكر، فيما الولادات اليومية المسجّلة أو غير المسجّلة تفوق هذه الأرقام بكثير؟

ثمّة من يرى أنّ ورقة الهجرة غير الشرعية، إذا أحسن لبنان لعبها، قد تشكّل ضغطاً كبيراً على الاتحاد الأوروبي، يجعله يعمل لتحديد أماكن آمنة في سوريا، يمكن للنازحين العودة إليها من دون أن تتعرّض حياتهم للخطر. ولنفترض أنّ ذلك حصل، فهل سيحمل النازحون تلقائياً أمتعتهم، ويعودون أدراجهم إلى بلدهم الأمّ، هكذا بكل بساطة؟

المشكلة الأساسية أمام حلّ أزمة النازحين السوريين هي أنّ النظام لا يريد إعادتهم. فقد سنحت له الفرصة للتخلّص من أعداد كبيرة من المواطنين السنّة، فلماذا يعيدهم؟ وبأيّ ثمن سيفعل؟ كما أنّ النظام عمد بمساعدة حلفائه، وعلى رأسهم “حزب الله”، إلى تغيير ديموغرافيّة العديد من المناطق التي نزح عنها سكّانها، فيما لحق الدمار الكبير بأحياء بكاملها، ولم يعد ممكناً العودة إليها من دون إعادة الإعمار.

ولكن ورقة النازحين هي كنز ثمين في يد النظام السوري، يريد استخدامها لمصلحته عندما يحين الوقت. وهو سيساوم بها على أمور كثيرة، وعلى رأسها استعادة شرعيته دولياً وعربياً. فالمجتمع الدولي ما زال مصرّاً على ربط عودة النازحين بالحلّ السياسي طبقا للقرارات الدولية، وهو بالتالي يرفض توفير الغطاء السياسي لعودتهم. وفي إمكان النظام أن يماطل قدر ما يشاء في التوصّل إلى حل سياسي للأزمة السورية، خصوصاً أنه يرفض تقديم تنازلات للمعارضة. أمّا على المستوى العربي، فلم تثمر إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية عن أيّ تقدّم في ملفّ النازحين. حتّى أنّ ما كانت تأمله دول عربية كالسعودية والأردن في المقابل، من أن تتمّ السيطرة على طرق التهريب عبر الحدود الأردنية والاتجار بالمخدرات، لم يحقّق الكثير. لا بل كاد الاستقرار في المملكة الأردنية أن يتهدّد في الآونة الأخيرة، بسبب تحريض “حماس” لجماعات الإخوان المسلمين في الأردن على الانضمام إلى استراتيجية وحدة الساحات.

ولدى النظام السوري في أيّ حال أوراق كثيرة يلعبها لعرقلة احتمالات العودة. فهو مثلاً يربط العودة بإعادة الإعمار. وهذا لا يتمّ أيضاَ من دون غطاء سياسي وبعد التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية والاتفاق على دستور جديد.

كما يطالب النظام بالحصول على حوافز ماليّة من المفوّضية العليا للاجئين التي ترفض تحويل المساعدات التي تقدّمها للنازحين في لبنان لصالح السلطات السورية. وفي جعبة النظام حجج لا تنتهي، من مثل احتراق أو فقدان وثائق الأحوال الشخصية للسوريين في مناطق مختلفة من البلاد بسبب الحرب، أو عدم تسجيل المواليد في لبنان، وبالتالي صعوبة التأكد من هويّاتهم، إلى سلسلة من التعقيدات لا تنتهي.

وفي لبنان، يعيش النازح السوري أصلاً في شكل غير منظّم، على عكس الوضع في الأردن وتركيا. وحتّى الداتا الخاصّة بالنازحين لم تسلّمها المفوضية كاملة للسلطات اللبنانية، وفيها الكثير من المعلومات الناقصة. ويختلط النازح المسجّل بالنازح غير الشرعي وبذاك الذي يأتي إلى لبنان لأسباب اقتصادية، حيث يجد له عملاً غير متوافر في بلاده.

أمّا “حزب لله” وحلفاؤه فيلعبون لعبة النظام في لبنان، بحيث يتمّ الدفع في اتجاه اضطرار الحكومة اللبنانية إلى التحاور مع الحكومة السورية كممرّ وحيد لحل أزمة النزوح التي باتت تشكّل حملاً اقتصادياً وأمنيا ثقيلاً على لبنان. وفي حال حصل هذا الحوار، سيستغلّه نظام الأسد لإعادة نفوذه على لبنان ولإعادة وضع الشروط وحياكة التفاصيل التي لا تنتهي ولا تعيد النازحين في أي حال.

إنها المعضلة الحقيقية التي غرق فيها لبنان ولم يعد قادراً على النجاة، خصوصاً أن قسماً من أحزابه يعمل لمصالح الخارج، والقسم الأكبر من سياسييه يحكمه الفساد ويعمل لحساب مصلحته الشخصية، ويريد الاستفادة من كل شيء، حتى من المليار يورو التي يعرضها الاتحاد الأوروبي.