نتنياهو لم يتخلَّ عن خطة التهجير: البحر بديل سيناء؟
في الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة إسرائيل منذ أشهر إلى إقرار خطّة سياسية لما بعد الحرب في غزّة، يستمرّ بنيامين نتنياهو في حملته العسكرية، غيرَ آبهٍ بالدعوات إلى وضع رؤية لما يُعرف بـ “اليوم التالي” في القطاع. وفيما علا صوت وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية يوآف غالانت، رافضاً تكريس حكم عسكري ومدني إسرائيلي للقطاع، وداعياً إلى تشكيل بديل فلسطيني برعاية دولية لإدارة غزّة، شنّ رئيس حكومته هجوماً عنيفاً عليه، مؤكداً أنه “ليس مستعدّاً للانتقال من حماستان إلى فتحستان”.
بالنسبة إلى نتنياهو، الخطّة واضحة: الاستمرار في الحرب حتّى القضاء على “حماس” وتدمير القطاع وتهجير أهله. وهو سبق له أن حدّد تحت ضغط واشنطن خطّته الأوّلية، التي تنصّ على أن تحافظ القوّات الاسرائيلية إلى أجل غير مسمّى على حرية العمليّات في القطاع وإنشاء شريط أمني والسيطرة على الحدود مع مصر.ولكنّ هدفه النهائي يذهب أكثر من ذلك: تصفية القضية الفلسطينية لمرّة أخيرة، الانتهاء من “حماس” و”فتح” معاً، وتهجير الفلسطينيين، إذا أمكنه ذلك. وما دام نتنياهو على رأس الحكومة، فهو لن يتراجع عن خططه، كما حصل حتّى الآن. وهذا الأمر سيعطيه فائدة إضافية شخصية، وهي أنّ استمرار الحرب يضمن إلى حدّ بعيد بقاءه في السلطة لأطول مدّة ممكنة.
حتّى اليوم، نفّذ نتنياهو كلّ ما اراده، ولم يستطع أحد أن يردعه. دخل برّياً إلى شمال القطاع ووسطه، ولا يهمّه إن كانت الكلفة تفوق الـ 35000 قتيل فلسطيني. ودمّر المنازل والبنى التحتية.
وبعد ذلك، عرقل التوصل إلى هدنة، وأصرّ على الدخول إلى رفح، على رغم كل التحذيرات الأميركية. وها هو اجتياح رفح يتمّ الآن بالتقسيط، في عملية أخفّ وطأة عمّا جرى في الاشهر الأولى للحرب. وقد نزح حتى الآن ما يقارب 800.000 فلسطيني، أي ما يقارب نصف العدد المطلوب إجلاؤه. وسيؤدّي هذا القضم التدريجيّ في النهاية إلى الغاية المطلوبة، وهي دخول رفح والسيطرة عليها وإنهاء حكم “حماس”.
أمّا الهدف الآخر الذي سبق أن أعلنه نتنياهو مراراً، فهو تهجير الفلسطينيين من سكّان غزّة إلى سيناء. ولكن رفض مصر القاطع لهذا الأمر منع تنفيذ هذه الخطّة مرحلياً. واستعيض عنها بتوجّه سكان رفح إلى مناطق أكثر أمناً في القطاع، يقع معظمها في أماكن قريبة من الشاطئ. وثمّة من يرى أن نتنياهو لم يتخلَّ عن فكرة تهجير الفلسطينيين، وإن تغيّرت الطريق. ومع إنشاء الولايات المتحدة للرصيف البحري بهدف إدخال المؤن والأدوية والمساعدات إلى القطاع، ما الذي يمنع أن يتمّ التهجير عبر البحر وعلى مراحل، بعدما أُقفلت المعابر البرّية التي تصل القطاع بالعالم؟
من وجهة نظر نتنياهو، “الحديث عن اليوم التالي لا معنى له حتّى تتمّ هزيمة حماس”. وعندما يحصل ذلك، يكون موعد الانتخابات الأميركية قد اقترب. ومن المرجّح، حسب الاستطلاعات حتّى الآن، أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وعندها تتغيّر معطيات كثيرة.
لم تغرِ نتنياهو أي عروضات حملها الأميركيون. حتّى أنّ عرض واشنطن لاتفاقية تطبيع مع السعودية لم تجعله يقبل بالهدنة. فهو يعتبر أنّ تغيير التوازنات بعد الحرب سيكون لمصلحته، سياسياً وشخصياً. وعندما يحين وقت الحلّ السياسي، سيكون في إمكانه رفض قيام دولة فلسطينية. ولن يقبل بحكم حركة “فتح” أيضاً. فاستناداً إلى رؤيته، سيسيطر الجيش الإسرائيلي على القطاع في شكل مباشر، وستشارك في رعاية الأمن في القطاع دول عربية، كما ستسهم هذه الدول في إعادة الإعمار. وبهذه الطريقة سيتمّ تذويب المجتمع الفلسطيني، إمّا عبر الهجرة إلى دول معيّنة، أو عبر التأقلم مع الواقع، أو من خلال تقديم حوافز اقتصادية وفرص عمل تغني عن الحرب والتطرّف.
في الخلاصة، لا أحد يستطيع حتى الآن إزاحة نتنياهو عن السلطة. وبين آراء اليمين المتطرف وجنرالات الجيش، سيحافظ نتنياهو على وتيرة الحرب، ويترك المستقبل لما سيؤول إليه الميدان، ولا شيء سواه.