خاص- سلاح الحزب هل حان أوانه؟
عند كل مفترق مصيري أو حدث مفصلي، يعود الخلاف إلى الواجهة بقوة حول سلاح “حزب الله” ودوره. فالحزب هو الفريق اللبناني الوحيد الذي ما زال يحمل السلاح منذ حلّ الميليشيات في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
استعمل الحزب هذا السلاح ضدّ الجيش الإسرائيلي الذي كان يحتلّ لبنان قبل العام 2000. ولكن، بعد التحرير، وانتفاء سبب وجود المقاومة عملياً، بدأت الأسئلة تُطرح حول السلاح ودوره. ولكن بقاء المقاومة ارتبط حينها باستمرار احتلال مزارع شبعا. وكان القرار 1559 الذي صدر في أيلول من العام 2004 قراراً حاسماً في “مطالبة جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان”، والدعوة إلى “حلّ جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها. وقد أدّى هذا القرار إلى خروج القوات السورية من لبنان على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونشوء حركة “14 آذار”.
وعقدت أوّل طاولة حوار لبنانية تناولت المواضيع الخلافية، وعلى رأسها “الاستراتيجية الدفاعية” في آذار من العام 2006. و لكن ما اتُفق عليه في شأن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لم ينفَّذ. وطار البحث في الاستراتيجية بعد حرب تموز التي انتهت بصدور القرار 1701.
بعد ذلك، حدثت واقعة 7 أيار 2008، حيث استعمل الحزب سلاحه في الداخل، مثبّتاً نفوذه في السلطة، إثر اتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي عقد حواراً في العام 2012، اتّفق فيه على مبدأ “النأي بالنفس”. ولكن هذا المبدأ طار أيضاً مع مشاركة الحزب حينها بزخم في الحرب السورية.
اليوم، يمرّ لبنان بمرحلة مفصلية جديدة. فهناك فراغ رئاسي يكاد يبلغ السنتين ونصف السنة، وأزمة اقتصادية مالية غير مسبوقة، أضيف إليهما الآن تهديد بحرب إسرائيلية تدمّر البلاد، ما لم ينسحب الحزب مع سلاحه، على الأقل إلى شمال الليطاني.
وهنا يَطرح كثيرون السؤال التالي: إذا كان الحزب سيسحب سلاحه من الحدود مع إسرائيل، وخصوصاً إذا تمّ التوافق على الترسيم البرّي بعد البحري، فما الجدوى من بقاء السلاح في الداخل؟ وهل الحزب في وارد العودة إلى البحث في “الاستراتيجية الدفاعية” من جديد؟
يُقرّ جميع الأفرقاء اللبنانيين أنّ سلاح الحزب هو شأن إقليمي وليس داخلياً، ولا يمكن اتّخاذ أيّ قرار في شأنه، إلّا إذا جاء هذا القرار نتيجة توافق إيراني أميركي. ولا يمكن معرفة موازين القوى إلّا بعد انتهاء الحرب في غزّة والتوصل إلى اتفاق مع لبنان، أو اندلاع حرب كبيرة.
ولكن، بدأت أحزاب في المعارضة اللبنانية ومراكز أبحاث غربية تطرح بجدّية هذا الموضوع، وتبحث في الصيغ الممكنة. والخلاف هنا كبير جداّ ووجودي، لدرجة أنّ الآراء حوله تتراوح بين وجوب الاحتفاظ بالسلاح لحماية لبنان، وصولاً إلى نزعه، كما حصل مع الميليشيات بعد الحرب. وبين الحدّين، هناك نظريات تتعلّق بإدماج عناصر الحزب في الجيش اللبناني كلواء قائم بذاته، تُسند إليه مهمّات معيّنة تحت إمرة المؤسّسة العسكرية، على طريقة الحشد الشعبي في العراق ربّما.
وكان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله قد أشار في أحد خطاباته الأخيرة إلى وجوب ” الاستفادة من الحرب على غزّة من أجل بحث الاستراتيجية الدفاعية في المستقبل” على أساس انّ “العدوّ لا يحترم المعاهدات الدولية، والقوّة هي التي تحمي لبنان”.
قد يُفسَّر هذا الكلام على أنه يشكّل مرونة في الموقف. ولكن قد يُفهم أيضاًَ بعكس ذلك. فالحشد الشعبي في العراق الذي تشكّل من متطوّعين لمحاربة “تنظيم الدولة الإسلامية” استجابة لفتوى من المرجعية العليا في النجف علي السيستاني، أصبح اليوم يشكل جزءاً من القوات المسلّحة العراقية، ويتقاضى عناصره رواتبهم من الدولة. لكن الحشد الذي بقي كياناً شبه مستقل داخل الجيش، ينفّذ عملياً مهمّات ضمن محور المقاومة. ويبقى مدى استجابته لأوامر قيادة الجيش موضع شكوك.
فهل يقبل الحزب بصيغة مشابهة إذا اضطرّ إلى ذلك؟
سيتمسّك الحزب بسلاحه حتّى الرمق الأخير. ولا شيء يجبره على التخلي عنه. وبما أنه سلاح إقليمي، فإن مصيره يتقرّر في الخارج. ولكن، إذا أصبح الحزب لواء في الجيش، فلن يضيره ذلك إذا بقي عملياً مستقلّ القرار، ويتحكّم بسلاحه. وعندها يشكّل اندماجه في الجيش غطاء شرعياً له.
ولكن، هناك مخاطر كبيرة هنا. وماذا عن مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي يشتري لبنان منها السلاح والعتاد؟ هل ستسلّح عمليا الحزب؟
قد يبدو هذا المشهد سورّيالياً من شدّة التعقيد الذي يلفّ موضوع السلاح ومصيره، علماً بأن واشنطن أساساً تزوّد الجيش بأسلحة ضمن سقف معيّن من أجل أن لا تصب في النهاية في خدمة استراتيجية مغايرة، عدا عن أنها ترفض تزويده بطائرات او بأي سلاح نوعي، وهي تحافظ على تفوّق إسرائيل العسكري والتكنولوجي في المنطقة.
يرى بعض المحلّلين أنّه إذا ما اتفّق على حلّ لسلاح الحزب في المستقبل، فهذا الاتفاق سيكون أيضاً اتفاقاً على الصيغة اللبنانية الجديدة، إذ إن وجود لبنانين متصارعين كماهو الحال اليوم لا يبني أبداً دولة قابلة للحياة.