خاص- هل تتراجع السعودية عن سياسة الحياد في الملفّ اللبناني؟

خاص- هل تتراجع السعودية عن سياسة الحياد في الملفّ اللبناني؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24خاص
22 آب 2023

: جرّب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ وصوله الى الحكم في العام 2015 سياسات مختلفة في التعامل مع الملف اللبناني، وتحديداً مع “حزب الله” وحلفائه. ولكنه لم يصل الى النتيجة المرجوّة.
أطلق خيار المواجهة مع الحزب، مصعّداً مواقفه الى أقصى الحدود. فمنع مواطنيه من السفر الى لبنان. وأراد من سعد الحريري أن يقود المواجهة. ولمّا لم يتمكن رئيس الحكومة اللبناني السابق من ذلك، أجبره على تقديم الاستقالة واحتجزه، في سابقة غير مألوفة، وصولاً الى اعلان الحريري خروجه من العمل السياسي في العام 2022، ما جعل الساحة السنيّة متضعضعة، وتراجع تأثيرها كثيراً في السياسة الداخلية اللبنانية.
وفجأة، وبعد سنوات من الصراع، قرّر ولي العهد اتباع سياسة “صفر مشاكل”، لإنهاء الحرب في اليمن واطلاق مشروعه الاقتصادي والتنموي الضخم، فعقد اتفاقاً للتطبيع مع ايران.
ولكن، لم تمر أسابيع على الاتفاق، حتى خاب ظنّ ولي العهد من جديد. فاكتشف أن طهران لم تقم بأي خطوة ولم تقدم أي تنازل، بل استمرت في سياساتها كما هي، واستمرّ نهجها نفسه في الملف اللبناني، ولم يغيّر “حزب الله”، ولو أنملة، في مواقفه. وهذا ما أدى إلى فرملة الاندفاعة نحو طهران وأيضاً نحو تحسين العلاقات مع سوريا.
ماذا الآن؟ وكيف ستتعامل السعودية مع لبنان، وتحديداً مع الملف الرئاسي؟
كان لافتاً قبل أيام اللقاء الذي حصل بين السفير السعودي وليد البخاري والمفتي عبد اللطيف دريان في حضور عدد كبير من النواب السنّة. وحسب المعلومات، فإن البخاري دعا الحاضرين الى أن يشدّوا الهمّة، وأن يتوحّدوا على تصوّر مشترك. وقال لهم إنه لا ينبغي للنواب السنّة أن يظلوا مشتّتين في ظل الاستحقاقات الكبيرة في البلاد، ولا سيما استحقاق الانتخابات الرئاسية. وقد أكد المفتي دريان بعد اللقاء أن “المسلمين السنّة في لبنان هم مكوّن أساسي في القرار الوطني”.
فإذا تمكنت جبهة المعارضة النيابية المؤلفة من 31 نائباً من ضمّ عدد كبير من النواب السنّة إليها تحت تأثير الايحاء السعودي، فعندها ستشكل ثقلاً يعتدّ به في مقابل محور “حزب الله”، ويمكن لها أن “تعوّض” نسبياً غياب التمثيل الذي يشكله التيار الوطني.
ولكن بالطبع، لا يمكنها لوحدها أن تحسم في الانتخابات الرئاسية.
وعليه، فإن السعودية تراجع حالياً السياسة التي اتّبعتها في لبنان منذ اعلانها “الحياد” وعدم التدخل في الملف الرئاسي، فيما يعتبر حلفاء لها في الداخل أن سياسة “صفر مشاكل” لا تنفع في التعامل مع الحالة اللبنانية، حيث “حزب الله” يستغلّ كل تراجع لمصلحته، ويستمر في السياسة عينها بدعم من ايران، مستفيدا من الهدنة التي أقرّها الاتفاق السعودي الايراني.
ثمة من يرى أن تأثير هذه المراجعة الجارية ظهرت بوادره في اجتماع الدول الخمس الأخير حول لبنان، حيث عكس البيان الختامي في الواقع التوجهات السعودية والأميركية المتشددة حيال مواصفات الرئيس وسلاح الحزب.
كما ظهر التشدد في بيان النواب المعارضين الـ 31 الذين رفضوا مبادرة لودريان للحوار في أيلول، وأكدوا أن الحوار الوحيد المقبول هو حول سلاح “حزب الله” بعد انتخاب الرئيس الجديد.
لطالما تعاملت السعودية مع لبنان عبر “سياسة اختبارية”. وكانت سياساتها تقوم على دفع الأموال في مقابل التوصل الى تسويات مع الخصم. ولكن عندما تعاظمت المخاطر، وكبر الصراع مع ايران، لم تعد المعايير السابقة تنفع. إذ إن اللعبة الايرانية مختلفة. فهي توظف في لبنان كل قدراتها، من المال الى السلاح والعقيدة، وليست هذه هي الحال مع السعودية.
لقد جرّب الحكم الجديد في المملكة الشدّة ثم اللّين، وها هو الآن يكتشف أنه لم يصل إلى برّ. فأي طريق سيتبع الآن؟
المملكة هي قوة سياسية واقتصادية كبرى. فهي تمثل زعامة العالم الأسلامي السنيّ، ودورها الاقتصادي مؤثر في العالم والمنطقة. ومن هنا، ربما لا يمكنها أن تقف متفرجة.