
خاص- هل تتمكّن إسرائيل من عرقلة الاتّفاق الأميركي- الإيراني المحتمل؟
الأجواء “الإيجابية” التي أشيعت بعد جلستي المفاوضات الأميركية الإيرانية، تعاكس إلى حدّ كبير أجواء التهويل والوعيد الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل انطلاق المحادثات في عُمان، ثمّ في روما. ولا يُعرف حتّى، ما إذا كان الجانب الأميركي يريد الاكتفاء بوقف التخصيب بالنسبة التي تسمح بصنع قنبلة نووية، أو أنّه يهدف إلى إنهاء البرنامج النووي بكامله، وكذلك برنامج الصواريخ البالستية.
إن صدقت المعلومات التي تبثّها المصادر الإيرانية، فإنّ اتّفاقاً مبدئيّاً حصل على أمرين، هما احتفاظ طهران بحقّها في التخصيب لأغراض مدنية، وإلغاء العقوبات المفروضة على إيران. ولم يصدر في أيّ حال أيّ توضيح أميركي حول فحوى المفاوضات، أو أيّ نفي لمعلومات المصادر الإيرانية. ويسود الغموض ما يجري داخل قاعات التفاوض، حيث يحتفظ الفريق الأميركي لنفسه بالمداولات، ولا يطلع عليها حتّى إسرائيل، أقرب الحلفاء المعنيين بهذا الملفّ في المنطقة.
وما عزّز هذه التوجّهات ما أعلنته وزارة الخارجية العُمانية من أن “المحادثات تهدف إلى التوصّل إلى اتّفاق عادل ودائم وملزم لضمان خلوّ إيران تماماً من الأسلحة النووية ومن العقوبات، مع الحفاظ على قدرتها على تطوير الطاقة النووية للأغراض السلميّة. حتّى أنّ ترامب بنفسه أشار إلى أنّه غير مستعجل على ضرب إيران.
هذه الصورة تثير القلق في إسرائيل. فترامب قرّر بدء المفاوضات مع إيران، من دون إعلام الجانب الإسرائيلي مسبقاً. وقد كان الخبر مفاجأة من العيار الثقيل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، والتي وُصفت بأنّها كانت مخيّبة لإسرائيل. ومع انطلاق المفاوضات، لم تطلع الإدارة الأميركية نتنياهو على فحوى ما يدور فيها. فإسرائيل ليست حتّى في موقع المراقب. وهي مضطرّة، حسب مقال نُشر في صحيفة “هآرتس” إلى “الاكتفاء بإرسال مدير الموساد ووزير الشؤون الاستراتيجية إلى روما، للقاء المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بشكل شبه سرّي، لمحاولة عرض مطالبها”.
فإسرائيل تعتبر في الواقع أنّ ترامب عرقل عمليّاً خططها لضرب إيران، وهو ليس متحمّساً لحرب جديدة، ستكبّد الولايات المتّحدة تكلفة مرتفعة. ويخشى نتنياهو في هذه الأجواء من أن تقدّم واشنطن تنازلات لطهران. ولكنّه غير قادر على توجيه أيّ ضربة لإيران، إذا ما وقّعت واشنطن اتّفاقاً معها. حتّى أنّ بعض المحلّلين أكّدوا أنّ نتنياهو سيصل إلى وقت يترحّم فيه على عهد بايدن.
ولكن، هل في مقدرة إسرائيل عرقلة التوصّل إلى اتّفاق مع إيران، قد يسمح لها مع الوقت، إذا ما اقتصر على البرنامج النووي لأغراض التسلّح، بأن تعود إلى إمداد الفصائل التابعة لها، وتحديداً “حزب الله”، الذي ما زالت أرضيّته جاهزة للتعافي، بالمال والسلاح. ولا شيء يضمن أن يبقى الضغط الأميركي قائماً في المنطقة وفي لبنان. وقد يملّ ترامب من هذه الملفّات ليتفرّغ لأخرى أكثر أهمية بالنسبة إليه. وهذا ما تعوّل عليه إيران، على ما يُعتقد. لذا، فإنّ اتّفاقاً نوويّاً شبيهاً باتفاق العام 2015 الذي أبطله ترامب بنفسه، لن يكون كافياً بالنسبة إلى إسرائيل. فانسحاب ترامب من الاتّفاق في العام 2018، سمح لطهران بتسريع تخصيب اليورانيوم، في شكل باتت على قاب قوسين من إنتاج السلاح الذرّي. كما أنّها دعمت أذرعها بالمال والسلاح، بما جعل “الحزب” يقوى منذ حرب 2006.
ثمّة من يرى أنّ المعطيات وموازين القوى تغيّرت كثيراً عمّا كانت عليه إبّان إبرام الاتّفاق النووي الأوّل. فمع تراجع “الحزب”، وانهيار نظام الأسد، والضربات التي تُوجَّه للحوثيين، لم يعد لأي اتّفاق نووي ثانٍ، ولو مشابه، المفاعيل نفسها التي كانت آنذاك. ولكن لا يمكن الجزم بأيّ أمر قبل معرفة المدى الذي سيصل إليه الاتّفاق المحتمل. فإيران تحاول أن تعقد مع واشنطن في الوقت عينه “صفقة” اقتصادية. وفي مقابل إلغاء العقوبات، تتطلّع إلى فتح أبواب الاستثمار الأميركي على أراضيها. وربّما يغري هذا العرض الرئيس ترامب، الذي يطمح إلى مشروع اقتصادي كبير في المنطقة.
في أيّ حال، إسرائيل التي تتهيّب المواجهة مع ترامب، تملك الكثير من الأوراق التي تمكّنها من الخربطة. فهي تحتلّ مواقع في جنوب لبنان، وتترك لنفسها حرّية الحركة لضرب أيّ هدف ترى أنّه يشكّل تهديداً لها. كما تحتلّ قسماً من الأراضي السورية على حدودها، وما زالت تشن الغارات على أهداف ومخابئ سلاح. ولن يكون لديها سوى العودة إلى الحرب لنسف كلّ المسار القائم.