
الفساد في “الصناعة” يخرج للعلن: حكومة ميقاتي حَمَت بوشكيان؟
واللافت للنظر في ما كشفته المصادر، أنّه “كان يتم إحالة تقارير حول الارتكابات إلى حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، ومع ذلك، تجاهلت الحكومة التقارير، حمايةً للوزير بوشكيان”.
تجاهل حكومة تصريف الأعمال
الملف اليوم بيد عيسى الخوري، ويفترض أن يتحوَّل إلى النيابة العامة، وبانتظار القرار القضائي، كشفت المصادر أنّ الارتكابات في الوزارة كثيرة جداً ويمكن اختصارها بعنوان واحد هو “حصر الوزير للصلاحيات بيده، في كل ما يتعلّق بخدمات الوزارة، من التواقيع والمعاملات والتراخيص الصناعية وإجازات الاستيراد والتصدير… وغيرها”.
كثرة الارتكابات “جعلت الفساد معروفاً في الوزارة وخارجها، ولم يكن بالإمكان فضحه سريعاً على الملأ لأنّ بعض الصناعيين المعنيين بالارتكابات، فضّلوا عدم فضح الملف، إما لأنهم مستفيدين منها، أو أنهم يخافون عرقلة أعماله في الوزارة. إلاّ أنّ بعض الصناعيين المتضرّرين، فضَّلَ التحدّث وفضح الأمر”.
وفي تفاصيل الارتكابات، أكّدت المصادر أنّ “هناك تراخيص صناعية كانت تُوَقَّع من دون العودة إلى المدير العام للوزارة حينها (داني جدعون)، لا سيّما في أوائل أيّار 2023، رغم أنّ تلك التراخيص يجب أن تصدر باقتراح من المدير العام”. وضمن هذا السياق، “صدر خلال نحو شهر ونصف، حوالي 35 ترخيصاً مخالفاً”.
وأضافت المصادر أنّه “في أواخر 2022 سعّرت الوزارة طن الترابة بـ78 دولاراً (7 مليون ليرة) علماً أنّ مجلس الوزراء سعّره بـ65 دولاراً، فمن كان يستفيد من هذا الفارق؟”.
هذه الارتكابات وغيرها، وصلت إلى حكومة ميقاتي “من خلال التقارير التي رفعها جدعون، بناءً على تعميم من الحكومة عند تحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال، يطلب من المدراء العامين إبلاغها بالمخالفات التي تحصل في الوزارات”، تقول المصادر. وعوضَ فتح الحكومة للملفّ وتبيان حقيقة ما يحصل في الوزارة، قوبِلَت البلاغات بـ”إحالة جدعون إلى التأديب”. وتجدر الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء قرّر في أيار 2023 تحويل جدعون إلى الهيئة العليا للتأديب ووقفه عن العمل بجرم الإهمال الوظيفي الذي تسبّب بهدر المال العام، ثم خلصت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، في شباط 2024 إلى “عدم ثبوت أي مخالفة مالية بحق جدعون”. كما أصدرت الهيئة العليا للتأديب قراراً في نيسان 2024 “بعدم إنزال أي عقوبة بحق جدعون”.
ولم تجد المصادر تفسيراً لما حصل، سوى أنّ “مجلس الوزراء يعلم بكل المخالفات، ومع ذلك حَمَى الوزير”.
وتعليقاً على صدور تقرير للتفتيش المركزي حول القضية، أشارت المصادر إلى أنّ “التفتيش لا صلاحيات لديه على الوزير، كما أنّ هناك شخصاً مشاركاً بالقضية، وهو ليس موظّفاً رسمياً في الوزارة ولا موظّفاً بموجب عقد استشارة. وذلك، فإن التفتيش يقترح الإحالة على النيابة العامة، وتحديداً بالنسبة لموظّفي الإدارة المخالفين. وبالتالي، المحاسَبة ممكنة، وعلى القضاء اليوم أن يقرّر ما يمكن فعله”.
شبهات على الوزير؟
نفى بوشكيان مراراً الشبهات التي تطاله في هذه القضية، واعتبر في أيار 2024، أن ما يقال هو “افتراءات وتضليل وتشويه للحقيقة”. وللوصول إلى الخواتيم الصحيحة للقضية، فتحت لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتخطيط النيابية برئاسة النائب فريد البستاني، ملفّ شبهات الفساد في الوزارة، علّها تصل إلى خلاصات كافية. وظنّت اللجنة أنّ طلبها من بوشكيان الاستماع إليه، سيدفع الأخير إلى التعاون وتقديم ما لديه من معلومات تحسم القضية، خصوصاً وأنّها لم تتّهم أحداً، وفق ما أكّده البستاني، الذي أوضح أنّه “بعد التداول في اللجنة وافَقنا بالشكل على أننا لا نستطيع الاستماع إليه (بوشكيان)، بل قرّرنا في اللجنة، بالتوافق، كون الملف يخضع لمسار قانوني وتفتيش مركزي، أن ننضم إليهم”.
ومع ذلك، قدّمَ بوشكيان ما اعتبره “الإيضاحات اللازمة في المرحلة التي كنّا نتولى فيها مهام الوزارة”، مع تأكيده أنّ اللجنة لا تملك صلاحية الاستماع إليه، بل “هناك لجنة تُشَكَّل لتقصّي الحقائق تنبثق عن الهيئة العامة”. واستند بوشكيان في هذا الموضوع إلى المادة 139 من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تنصّ على أنّ “لمجلس النواب في هيئته العامة أن يقرّر إجراء تحقيق برلماني في موضوع معيّن، بناءً على اقتراح مقدَّم إليه للمناقشة أو في معرض سؤال أو استجواب في موضوع معيّن أو مشروع يطرح عليه”.
لكن في الجوهر، لم يقتنع البستاني أنّ هذا المسار هو نهاية الملف. ومع أنّه لا يزال في موقع الباحث عن الحقيقة بدون توجيه أي اتهام لأحد، إلاّ أنّه أعرب عن وجود خيار لديه بالتقدَّم بـ”إخبار إلى النيابة العامة، ولكن اللجنة لم تخوّلني بهذا الأمر وأنا لا أريد أن أقدّمه بصفة شخصية لأنّه ليس لدي شيء ضد الوزير”.
ومع استبعاد المنحى الشخصي في هذه القضية، يبقى القرار النهائي للقضاء، الذي ستدعمه التفاصيل الواردة في تقرير التفتيش المركزي الذي لا يزال غير متاح للنشر.