
النقاط الخمس أخطر من القوانين
لن تكون نقطة الضعف الأساسية، التي سترافق الوفد اللبناني الرسمي إلى مفاوضات الربيع مع صندوق النقد الدولي، محصورة باحتمال الفشل في حمل قانونَي السرية المصرفية وانتظام القطاع المصرفي في جعبته، كما سبق ووعد. بل هناك معضلة إضافية ستواجه الوفد، لأن المناقشات، وكما أعلن المسؤول عن الملف اللبناني في الصندوق أرنستو راميريز ريغو، سوف تتركّز على رؤية الدولة اللبنانية لوضع المالية العامة في السنوات الخمس المقبلة. وحدّد النقاط التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان لتقديم هذه الرؤية، ومنها:
أولاً- موجبات إعادة الإعمار.
ثانياً- إعادة جدولة الديون.
ثالثاً- متطلبات الحاجات الاجتماعية.
رابعاً- تمويل الإنفاق الاستثماري.
خامساً- رسملة مصرف لبنان في مواجهة أزمة الانهيار القائم.
هذه النقاط الخمس التي مرّ عليها البعض مرور الكرام هي لبّ وجوهر المشكلة، ومن الصعب، بل من سابع المستحيلات أن يحمل معه الوفد إجابات على هذه النقاط-الأسئلة، والتي تشكل كل واحدة فيها أزمة قائمة في حدّ ذاتها.
لكن ما هو إيجابي في هذا الطرح، أنه سيشكل حافزاً للحكومة لكي تتخلى عن فكرة الموازنة لسنة واحدة، وتنقل مستوى العمل إلى ضرورة خطة خمسية، تأتي الموازنات خلالها مترابطة، بحيث تكون موازنة العام 2026 امتداداً لموازنة العام 2027. وهكذا دواليك حتى العام 2030.
لكن، وبانتظار الوصول إلى هذه الخطة، والتي ينبغي ترجمتها عملياً في الموازنات الخمس المقبلة، علينا أن نحسم موقفنا وأرقامنا حيال قضايا شائكة لم نتوصل بعد إلى الاتفاق على الحد الأدنى فيها.
وإذا تعمقنا في تفاصيل النقاط الخمس، نلاحظ أن المطلوب تقديم إجابات على الأسئلة التالية:
كم سترصد الدولة اللبنانية لمشروع إعادة الإعمار الذي تبلغ تكلفته التقديرية حوالى 10 مليارات دولار. وهنا نلاحظ أن تقديم إجابة على هذا السؤال تنطوي على حساسية وطنية. إذ إن الدولة تعوّل على المساعدات الخارجية لإنجاز هذا المشروع. هذه المساعدات مرهونة بتنفيذ القرار 1701 ومندرجاته، ومندرجات اتفاق وقف إطلاق النار. وحتى الآن، لم تكن النتائج مُرضية للدول المانحة لكي تفرج عن أية مساعدات. فهل على الدولة أن تقول إنها لن تساهم مالياً في المشروع، أم عليها أن تدّعي أنها ستموّل إعادة الإعمار من أموالها؟ في الحالتين، هناك معضلة غير قابلة للحل.
وثانياً، كم ستدفع الدولة في عملية إعادة هيكلة الدين العام، سيما في موضوع اليوروبوندز. أي أن المطلوب من الدولة أن تقدّم تقديرات للتسوية التي قد تتوصل اليها مع الدائنين بعد بدء التفاوض، وعلى هذا الأساس تقدّم الرقم الذي سيتم اقتطاعه من الموازنات الخمس المقبلة.
وثالثاً، علينا أن نحدّد حجم الإنفاق على المساعدات الاجتماعية. وقد يكون الجواب على هذا السؤال أسهل من سواه.
رابعاً، يجب ان يتم تحديد حجم الإنفاق الاستثماري، وهذا يحتاج بطبيعة الحال، إلى خطة عمل خمسية يحتاج إنجازها إلى بعض الوقت.
وخامساً، وهذه هي النقطة الأشد حساسية وخطورة. مطلوب من الدولة أن تحدّد حجم الأموال التي سترصدها لرسملة مصرف لبنان في مواجهة الانهيار. أي حجم المبلغ الذي ستساهم به في عملية سد الفجوة المالية، وهنا بيت القصيد. إذ كيف يمكن تحديد هذا الرقم قبل التوافق على خطة الإنقاذ وتوزيع الخسائر.
كل هذه النقاط التي يريد صندوق النقد مناقشتها مع الوفد اللبناني، لا يملك الوفد أية إجابة عليها، بل لا يملك أية إجابة على الفترة التي قد تحتاجها الحكومة للوصول إلى هذه الإجابات. وعندما نصل إلى هذه الإجابات، نكون قد وصلنا إلى الحل. وحتى الآن، لا يزال الحل بعيداً.