
مشروع “إصلاح المصارف”: نقاشات حكوميّة ساخنة
نقاط ساخنة
النقطة الأهم في كل السجالات التي دارت، ارتبطت بعلاقة هذا القانون بالإطار الأوسع من خطّة التعافي، وتحديدًا الجانب المتصل بتقدير حجم الخسائر وتوزيع المسؤوليّات. وبشكل عام، كان واضحًا من مذكّرة جمعيّة المصارف، والخطاب الذي روّجه اللوبي الذي يدور في فلك الجمعيّة، أن المصارف لم تستحسن تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية، قبل معرفة حجم الخسائر التي ستتحمّلها في النهاية. مع الإشارة إلى أنّ مسودّة مشروع قانون إصلاح المصارف، ستقدّم الإطار التشريعي الذي يتيح تقييم وضع كل مصرف، ومن ثم تصنيف المصارف التي ستخضع لعمليّة دمج أو تصفية، مقابل تلك التي ستخضع لعمليّة إصلاح الوضع.
لم يكن من الممكن الخضوع لطلب جمعيّة المصارف بهذا الشأن، خصوصًا أنّ تمرير مشروع القانون كان أحد القانونين اللذين أصرّت بعثة صندوق النقد على تمريرهما قبل اجتماعات الربيع في واشنطن، إلى جانب قانون رفع السرية المصرفية. ومع ذلك، كان ثمّة حذر لدى طيف واسع من الوزراء من فكرة تمرير القانون، من دون ربطه بقانون التوازن المالي، الذي يفترض أن يحدد لاحقًا نسبة الودائع المضمونة، وكيفيّة توزيع الخسائر في القطاع المصرفي خلال عمليّة الهيكلة. وكان هذا الرأي يميل إلى الأخذ بالاعتبار مسألة حقوق المودعين خلال عمليّة الهيكلة، بمعزل عن اشتراطات جمعيّة المصارف ومصالحها.
وهكذا، كان التوجّه العام في النهاية يميل إلى تمرير قانون إصلاح المصارف، لكن مع ربط تنفيذه بإقرار قانون التوازن المالي، أي القانون الذي سيحدد كيفيّة معالجة الفجوة. مع ذلك، يبقى تأكيد هذه النقطة محكومًا بنتائج جلسة اليوم، التي يفترض أن تفضي إلى صدور المسودّة النهائيّة من مشروع القانون. وفي حال حصول هذا السيناريو، فسيكون بإمكان مجلس النوّاب المضي قدمًا في إقرار مشروع القانون في المرحلة اللاحقة، من دون الخشية من الخطاب الذي يحذّر من دخول مسار إعادة الهيكلة بمعزل عن الخطّة الأوسع المتعلّقة بتوزيع الخسائر. وهذه الخطوة ستسقط بدورها ذريعة جمعيّة المصارف، الممتعضة من فكرة مناقشة مسودّة مشروع القانون، من دون تقديم الأرقام الكاملة المرتبطة بخطّة التعافي المالي.
جانب آخر من النقاشات ارتبط بكيفيّة احتساب ملاءة وسيولة المصارف. إذ أن الطرح التي قدّمته وزارة الماليّة نص على اعتبار توظيفات المصارف لدى المصرف المركزي “سيولة” دفتريّة كاملة، من دون احتساب أي خسائر على هذه التوظيفات في هذه المرحلة. وبذلك يجري تقييم وضع المصارف، عند تطبيق القانون، على أساس الخسائر المترتبة على سائر أنواع توظيفاتها. ورغم مرونة هذا الطرح الشديدة، ظلّت المصارف معارضة لفكرة إجبارها على إعادة الرسملة الآن، أي على ضخ رساميل جديدة في القطاع، قبل اتضاح الصورة على مستوى آليّة توزيع الخسائر، وكيفيّة تصنيف المصارف القابلة للاستمرار. لكن في جميع الحالات، من المتوقّع أن تحافظ المسودّة الأخيرة من مشروع القانون على الطرح الأساسي الذي قدّمته وزارة الماليّة.
الخلاف حول الصلاحيّات
إلى جانب النقاش حول آليّات إعادة الهيكلة، ثمّة نقاش أوسع جرى فتحه داخل مجلس الوزراء حول الجانب المتصل بصلاحيّات الهيئات الناظمة لعمليّة إعادة الهيكلة. فمسودّة مشروع القانون نصّت على تشكيل هيئة عليا جديدة تنظّم عمليّة إعادة الهيكلة، وتتخذ القرارات المصيريّة بخصوص إصلاح المصارف القابلة للاستمرار، وتلك التي ستخضع لعمليّات دمج أو تصفية. وكان ثمّة نقاش واسع حول تركيبة الهيئة، التي سيرأسها الحاكم.
في النسخة السابقة التي جرت إحالتها إلى الحكومة، شملت الهيئة الحاكم ونوّابه الأربعة، بالإضافة إلى ثلاثة خبراء يتم تعيينهم بمرسوم في مجلس الوزراء. غير أن المسودّة الأحدث، التي جرى تعديلها بناءً على النقاشات الحكوميّة، تضمّنت تعديلًا جوهريًا، إذا باتت تضم الحاكم وأحد نوّابه، بالإضافة إلى رئيسي لجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان الودائع، إلى جانب الخبراء. وبذلك، لم يعد الحاكم ونوّابه يمثّلون أغلبيّة داخل هذه الهيئة، وهو ما حوّلها إلى إطار تنظيمي مستقل فعليًا عن الحاكميّة.
وهكذا، دخل النقاش حول هذا الجانب من مشروع القانون في اصطفاف حاد، حكمته بعض الهواجس ذات الطابع الطائفي، المرتبطة بدور وصلاحيّات الحاكميّة. ففي النهاية، رأى بعض الوزراء أن إنشاء الهيئة على هذا الشكل، بعد إدخال التعديلات، قلّص من دور الحاكم الماروني، في مقابل تضخيم لدور رئيسة لجنة الرقابة على المصارف، التي ستصبح شريكة في القرارات، بدل أن يقتصر دورها على المراقبة وتقديم التوصيات.
في الخلاصة، سيكون من المنتظر أن يتم البت بهذه المسائل صبيحة اليوم، في ضوء جلسة مجلس الوزراء. غير أنّ الملفت في مجريات الأيام الماضية، كان ظهور اختلافات واضحة بين المصارف اللبنانيّة، في كيفيّة تقييمها لمسار الأمور. إذ يبدو من الواضح أن طبيعة توظيفات المصارف اللبنانيّة، تختلف اختلافًا جذريًا، وهو ما يولّد اختلافًا في مصالح هذه المصارف عند تقييم أي جانب من جوانب القانون. ولهذا السبب، قد يكون متوقّعًا أن تفشل جمعيّة المصارف في تكوين توافق داخلي تام، على كيفيّة تقييم مرسوم مشروع القانون عند صدوره.