
خاص – أبعد من سلاح الحزب
إقليميًا ودوليًا، لم يعد مستقبل سلاح “حزب الله” هو المسألة الأهم بعدما تخطت التطورات هذا الواقع الذي لم يعد مطروحًا إلا على الساحة الداخلية لجهة التوقيت والطريقة الأقل كلفة. فاتفاق الطائف والقرارات الدولية الخاصة بلبنان، إضافة الى اتفاق وقف إطلاق النار وملحقاته بين لبنان وإسرائيل، تنص كلها على نزع سلاح جميع الميليشيات، وحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. لكن الأهم أن “اتفاق الطائف السوري” قد سقط نهائيًا مع سقوط نظام الأسد وهزيمة محور الممانعة، ليحل محله “اتفاق الطائف السعودي- الأميركي” المصرّ على قيام دولة فعلية في لبنان، أو البقاء تحت رحمة الضربات الإسرائيلية من جهة، ومنع إعادة الإعمار حتى إشعار آخر من جهة أخرى.
ما كُتب قد كُتب ولم يبق إلا التنفيذ الذي يمكن أن يتم بالطريقة السهلة أو بطرق أخرى قد يكون أحلاها مرًا. لذلك بات على “حزب الله” من جهة، والدولة اللبنانية من جهة أخرى أن يحسما أمريهما في هذا المجال، ويتخذا القرار المناسب قبل فوات الأوان وتدفيع لبنان مرة جديدة ثمن حرب لا طاقة له على تحملها.
في هذا السياق جاءت زيارة نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الثانية لبيروت، مع ما سبقها من تسريبات وتحليلات، لتضع النقاط على الحروف: سلاح الحزب لم يعد للبحث بل الى زوال أو إزالة خلال مهلة زمنية محددة، بموازاة الاصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد بما يكفل قيام دولة فعلية في لبنان.
هذه المطالب الأميركية التي ترقى بالفعل الى حد ممارسة الضغوط على السلطات اللبنانية ليست تعجيزية من جهة، فضلًا عن أنها مطالب معظم الفئات والأحزاب اللبنانية التي باتت على قناعة تامة بأن لا إمكانية لقيام الدولة بوجود سلاح استأثر على مدى عقود بقرار الحرب فأدخل لبنان في حروب مدمّرة، كما حمى الفساد واستباح الحدود ونخر جسم الدولة وانتشر فيها مثل السرطان، بما لم يدع مجالًا للشفاء إلا باستئصاله.
أورتاغوس في زيارتها الثانية كانت هادئة جدًا، لكنها واضحة جدا وحازمة جدا. وبينما تلهى بعض الإعلام المحلي بنجمة داوود على صدرها بعدما كانت في الزيارة السابقة في خاتم على أصبها، كانت المبعوثة الأميركية الجديدة تسير على خطى سلفها آموس هوكشتاين الذي فضل اللجوء الى الهدوء والمراوغة عوضًا عن الصلابة والإملاءات في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين الذين كان بعضعهم يستمتع باستقباله. فقد ظل هوكشتاين يأتي الى لبنان على مدى أشهر بعد فتح “حزب الله” “حرب الإسناد” مع مطلب واحد للدولة ومنها للحزب: أوقفوا الحرب قبل فوات الأوان. لم يستمع أحد الى “نصيحته” حتى اتسعت الحرب وانهزم الحزب، فتحوّل المبعوث الأميركي الى مفاوض بالنيابة عن اسرائيل على تفاصيل استسلام “حزب الله” كشرط من تل أبيب لوقف اطلاق النار.
الخوف، كل الخوف أن يعيد التاريخ نفسه، وإن بسرعة قياسية، فتتحوّل أورتاغوس من مبعوثة أميركية للإشراف على تطبيق لبنان اتفاق وقف اطلاق النار لجهة تسليم “حزب الله” سلاحه الى الدولة اللبنانية، الى مفاوضة من قبل إسرائيل على بيع سلاح الحزب في مزاد علني وتقرير مصير قادة الحزب وكوادره، كنتيجة لحرب جديدة على وشك أن تندلع، فيما لو أصرّ الحزب على الاحتفاظ بسلاحه، ولم تلجأ الدولة اللبنانية الى خطوات مباشرة لنزع هذا السلاح.
في المحصلة، القضية لم تعد قضية سلاح تخطته الأحداث في لبنان والمنطقة، بقدر ما أصبحت تتمحور حول مستقبل العلاقات بين لبنان واسرائيل. وكما انتزع هوكشتاين من الدولة اللبنانية اتفاقية الحود البحرية مع اسرائيل عندما كان “حزب الله” في قمة جبروته وسيطرته على الدولة، لن تقبل أورتاغوس المعيّنة من الرئيس دونالد ترامب بأقل من الحصول على ترسيم بري للحدود بين لبنان واسرائيل، على ان يكون هذا الاتفاق مقدمة لاتفاقات أخرى يوقعها لبنان مع الدولة العبرية بالتزامن مع دول عربية أخرى.