هل انتهى طموح لوبن الرئاسي؟

هل انتهى طموح لوبن الرئاسي؟

31 آذار 2025

وصف بعض الإعلام الفرنسي الحكم بـ “الزلزال”. يوم الاثنين، حكمت محكمة الجنح في باريس بأن زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبن أدت “دوراً مركزياً” في “نظام اختلاس” لأموال تعود للاتحاد الأوروبي حين كانت نائبة فيه بين 2004 و2016. قضى الحكم بسجن لوبان أربعة أعوام، مع تعليق عامين وفرض خضوعها خلال العامين الآخرين لمراقبة سوار إلكتروني، كما قضى بمنعها وبأثر فوري من الترشح إلى منصب رسمي حتى نهاية العقد الحالي. وفرضت المحكمة عليها أيضاً غرامة مالية بقيمة 100 ألف يورو.

وأدينت لوبن مع 24 شخصية أخرى من حزبها (من بينهم نواب سابقون في البرلمان الأوروبي) بإساءة استخدام 4.4 ملايين دولار من أصول البرلمان الأوروبي ودفعها بطريقة غير مشروعة، وعبر “عقود صورية”، لمساعدين برلمانيين تبين أنهم موظفون حزبيون. غير أن المتهمين، بمن فيهم لوبن، لم يحققوا الإثراء الشخصي بحسب المحكمة. وغادرت لوبان القاعة حتى قبل إصدار منطوق الحكم.

لوبن التي ستواصل الاحتفاظ بمقعدها النيابي حتى نهاية ولاية المجلس (إلا في حال الدعوة لانتخابات مبكرة أخرى) كانت قد وصفت سابقاً احتمال صدور قرار كهذا بأنه حكم بـ “الإعدام السياسي”. وهو توصيف كرره رئيس الحزب جوردان بارديلا الذي قال أيضاً إنه حكم نُفذ بحق “الديموقراطية الفرنسية”. وفي حديث إعلامي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قللت لوبان من احتمال صدور حكم كهذا، لكن توقعاتها خابت. وبررت رئيسة المحكمة بنديكت دو برتوي حكم منع الترشح إلى منصب رسمي بـ “ضمان عدم استفادة المسؤولين المنتخبين… من معاملة تفضيلية”.

التوقيت الأسوأ

ستقدم لوبن طعناً بالحكم، لكن كما ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن تراكم الملفات في المحاكم والتأخير الطويل في هذا النوع من القضايا بشكل خاص يتركان حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت محاكمة الاستئناف ستعقد بحلول سنة 2027. وسيُنفذ قرار منع الترشح بأثر فوري حيث لن يوقفه تقدم لوبن بالطعن. وبانتظار الساعات المقبلة، يمكن أن يقرر محامو لوبان الطعن في “المفعول الفوري” لحرمان لوبان من أهلية الترشح، قبل صدور الحكم النهائي في قضية الاختلاس.

بانتظار جلاء الصورة القانونية بشكل أكبر، يأتي حكم القضاء الفرنسي في أسوأ توقيت بالنسبة إلى لوبن، وليس فقط بسبب ترجيح نهاية طموحاتها الرئاسية في لحظة كانت تبدو أقرب إلى الإليزيه من أي وقت مضى خلال مسيرتها السياسية. يتزامن الحكم مع ما يمكن وصفه بتتويج جهودها المضنية لإعادة تقديم حزبها بصورة مختلفة.

عملت لوبن كثيراً على اجتثاث الجذور الفاشية في حزبها فطردت والدها جان ماري لوبن منه بسبب تعليقات مناهضة للسامية واستبعدت التحالف مع “البديل من أجل المانيا” بعد تصريح موال للنازيين. طوال كل هذا الوقت، ومع برامج اجتماعية أقرب إلى يسار الوسط، نجحت لوبان في تطبيع الحزب مع قسم واسع جداً من الناخبين الفرنسيين.

وبعدما أبدت حماسة للتقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب فوزه بالولاية الرئاسية الأولى، راحت لوبان تبعد نفسها تدريجياً عنه، إلى درجة أن حزبها لم يحصل على دعوة من فريق ترامب لحضور حفل تنصيب ولايته الثانية.

توقع سابق لأوانه

بالرغم من الفتور الذي يطبع العلاقة بين قاعدتي “ماغا” و”التجمع الوطني” من المرجح أن يستغل جمهوريو ترامب الحكم القضائي لتبرير مهاجمتهم “النخب” الفرنسية التي تحاول “القضاء” على الديموقراطية. وهذا ما فعله المليادرير الأميركي إيلون ماسك مثلاً. وسارع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أحد رموز اليمين الأوروبي المقرب من ترامب، إلى كتابة تغريدة تضامنية بالفرنسية: “أنا مارين”. لكن أبعد من ذلك، قد تستلهم لوبن مسار ترامب لشن عودة سياسية خاصة بها.

رأت لوبن أن ترامب عاد ليكون رئيساً أميركياً بالرغم من ملاحقته في أربع قضايا رئيسية أمام القضاء الأميركي، وقد نجح في الانتخابات بالرغم من تقدمه في السن، علماً أنها تصغره حالياً بنحو 22 عاماً. في أسوأ الأحوال، تستطيع لوبان العودة إلى المسرح الانتخابي سنة 2034، أي حين تكون قد بلغت الخامسة والستين من عمرها. لن يكون ذلك استثناء في مسيرة الشخصيات البارزة على المستوى القاري.

ترشحت المستشارة الألمانية إلى آخر انتخابات تشريعية لها وهي في الثالثة والستين، وظلت مستشارة حتى السابعة والستين. وترأس أورسولا فون دير لاين المفوضية الأوروبية وهي في عمر السادسة والستين. ووصلت تيريزا ماي إلى رئاسة الوزراء البريطانية في سن الستين. لذلك، لا يزال من المبكر استبعاد لوبان تماماً من العودة إلى الإليزيه في المستقبل البعيد. وإذا فشل بارديلا، المرشح المفترض للانتخابات الرئاسية المقبلة، في كسب السباق المقبل، فقد يجد “التجمع الوطني” في لوبن الفرصة المثالية لتعزيز حظوظه المقبلة، خصوصاً أن الحزب بات يرتبط بعائلة لوبان إلى حد كبير.

مشاكل أخرى

ويمكن أن يجد بارديلا عوائق عدة أمام حصوله على تأييد واسع من حزبه، لأن شخصيات عدة تتحين الفرصة على ما يبدو للاعتراض على رئاسته للحزب. “ستحصل حرب أهلية في الحزب. سيرفض عدد من الكوادر قرارات بارديلا ولن يتبعوا بشكل أعمى فتى في التاسعة والعشرين من عمره”، على ما قاله مسؤول متشائم في الحزب لمجلة “لوبوان” الفرنسية قبل أشهر قليلة.

ولا يبدو أن “التجمع الوطني” قد أعد “خطة طوارئ”، على ما ذكرت مجلة “بوليتيكو” التي نقلت عن نائب من الحزب نفسه قوله إنه لا يتوقع أن تنقض محكمة الاستئناف الحكم وإنه سيكون من الخطير الاستعداد للانتخابات بينما “سيف دموقليس” معلق بخيط رفيع جداً. 

لن يكون سهلاً رسم مسار السياسات الفرنسية الداخلية في السنوات التالية. ربما يكسب “التجمع الوطني” تعاطفاً إضافياً في المرحلة المقبلة، لكنه تعاطف قد لا يستمر إلى سنة 2027. ولن يكون واضحاً حتى ما إذا كانت لوبن قادرة على رسم سياسات الحزب كما تريد إذا لم تستطع أن تكون على رأس التذكرة الرئاسية. ما هو شبه مؤكد أن 31 آذار 2025 سيترك بصمته في المشهد الداخلي الفرنسي لفترة طويلة.