انتخابات زحلة: “التيار” منكفئ وتفاوض بين “القوات” وسكاف

انتخابات زحلة: “التيار” منكفئ وتفاوض بين “القوات” وسكاف

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: المدن
30 آذار 2025
لمدينة زحلة، حصة اهتمام كبيرة في كل استحقاق انتخابي. فالتنوع السياسي والمذهبي الذي تحتضنه يضعها في صلب التنافس على مرجعيتها، السياسية أو البلدية، وخصوصا بعد أن تمددت إليها الأحزاب المركزية، وتوسعت في تنافسها على كسب القواعد الشعبية. فلم تعد زحلة “مقبرة” للأحزاب كما كان يقال سابقا، بل تحولت الى حاضنة لتناقضاتها، وموطئ قدم لحساباتها المركزية واللامركزية.

مجلس “أوعى خيّك”
جسدت زحلة شعار “أوعى خيّك” التي حكمت ظروف معركة الانتخابات البلدية الأخيرة، وربما تكون المدينة الوحيدة التي جمعت القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب على طاولة مجلسها البلدي، بعد أن خاضت جميعها المعركة مع “حصانها الرابح” رئيس البلدية الحالي أسعد زغيب.

على رغم كل التناقضات السياسية التي واجهتها إثر سقوط التفاهم المسيحي الهش، حافظت زحلة على وحدة مجلسها. لم ينفرط عقده حتى بعد أن دخلت البلديات في مرحلة التمديد المتكرر. وعلى رغم مراهنة الكثيرين على استقالات أعضائه، وخصوصا خلال مرحلة الانتفاضة الشعبية التي رافقت انهيار العملة اللبنانية، حافظ المجلس على تماسكه. ولكن المدينة علقت منذ ذلك الحين، في دوامة معركة صامتة، تخللها محاولات عديدة للّعب على وتر التناقضات السياسية أو حتى عرقلة مشاريع البلدية في الإدارات المركزية.

تعكرت علاقات زغيب مع القيادات الحزبية المركزية، وخصوصاً التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، إثر طرح مشروع تأهيل سوق البلاط، أحد أهم الأسواق التراثية التي تجمع النوستالجيا الزحلية. ففازت القوات اللبنانية بتمويل مشروع جزء من هذا السوق، بادرت الى طرح مخططاته، بمقابل سقوط مبادرة التيار التي لم تقترن بمشروع واضح. غير أن ذلك لم يعكر صفو علاقات رئيس البلدية مع أعضاء المجلس المنتمين للتيار، ولا انعكس على علاقة هؤلاء مع زملائهم في القوات اللبنانية.

شرارة معركة
وعلى مشارف نهاية ولاية المجلس الممددة لا يزال أعضاء المجلس يلتفون حول زغيب، حتى مع تبدل معادلات المعركة الانتخابية المقبلة التي يبدو واضحا أنها لن تعيد إنتاج التحالفات نفسها. والتضامن انسحب على آخر القرارات التي اتخذها المجلس البلدي وكادت تتحول شرارة إنطلاق معركة القوات اللبنانية بوجه زغيب، لولا خطوة، تبين أنها متفردة، من نائب القوات اللبنانية جورج عقيص، لم تصب هدفها.

القرار البلدي المذكور يتعلق بمخطط توجيهي جديد للمدينة، لم يخف عقيص سعيه لإعادة النظر فيه بالمجلس البلدي المقبل. إلا أن ما سماه عقيص “مخطط تهجيري” تبين أنه بني على دراسات أخذت وقتا طويلا من النقاش داخل المجلس، ووقّع عليه أعضاء القوات الخمسة، فسحب السلاح من المعركة الانتخابية قبل تلقيمه.

على رغم الكيمياء المفقودة بين رئيس البلدية ونائب القوات “الكاثوليكيين”، بقيت منسقية الحزب في زحلة على تواصل مثمر مع البلدية ورئيسها. وتجسد التعاون خصوصا، في المراحل التنفيذية لمشروع إعادة تأهيل جزء من سوق البلاط. وهذا ما تسبب بهوة في تقييم العلاقة بين القيادات الحزبية والقواعد المحلية في مدينة زحلة.

انقطاع العلاقة مع زغيب
بحسب المعلومات فإن إمتعاضا برز من أسلوب قطع القوات اللبنانية لعلاقتها مع رئيس البلدية، ومبادرتها بتسمية مرشحين آخرين، من دون أن تطلع زغيب مباشرة على قرارها عدم ترشيحه مجددا. بحسب زغيب “لم يكن هناك أي سبب لفض علاقة التحالف مع أي من الأحزاب التي شاركت في طاولة المجلس البلدي الحالي بالطريقة التي تجري حاليا”. ويشرح لـ”المدن” أن هناك أعرافا إجتماعية في زحلة، تجعل المشورة أساسية حتى عندما يريد أحدهم شراء قطعة أرض. نحن جلسنا على طاولة المجلس لتسع سنوات، ومن بعدها برم كل من حلفائنا السابقين ظهره، من دون كلمة. ربما يكونوا هم كبار ونحن صغار، فلا يهمهم التواصل معنا، ولذلك نحن الصغار سنجتمع مع بعض وهمنا أن نبقي قرارنا زحليا أولا”.

خلاصة الأمر، يبدو أن المعركة ستنطلق مبدئيا بلائحتين ستتنافسان على عضوية ورئاسة المجلس البلدي المقبل، ويمكن أن تتوسع لاحقا الى عدد أكبر من اللوائح طبقا للتحالفات المحاكة.

الثابت حتى الآن أن زغيب ماض بمعركة ترشيحه، ووفقا لتأكيده فإنه خطا خطوات متقدمة مع مجموعة من العائلات الزحلية في تسمية مرشحين على لائحته يمثلون أحياءهم.

ولكن إذا كان زغيب يخوض المعركة من دون دعم سياسي، بإستثناء ذلك المعلن من النائب ميشال ضاهر، فإن القوات اللبنانية تبدو أيضا سائرة باتجاه معركة منفصلة من دون مرشح للرئاسة حتى الآن. وعلى رغم ما تنقله أوساط حزبية أن لا قرارات نهائية حول فك العقد نهائيا مع زغيب، فإن النقاشات والمفاوضات التي تجريها تستثني إسم زغيب من الأسماء التي تطرحها.

لقاءات مع الكتلة الشعبية
أبرز الحوارات التي خاضتها القوات كانت مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف التي تكتلت الأحزاب أمام معركتها في الانتخابات الماضية. وبحسب المعلومات فإن ثلاثة لقاءات عقدت مع الكتلة الشعبية، سواء على مستوى القيادات التنسيقية، أو بحضور النائبين عقيص والياس اسطفان وسكاف، وكلها لم تكن مثمرة. علما أنه على رغم هذه المفاوضات المحلية، والتي شملت أيضا لقاءات بين القوات والكتائب اللبنانية، تشير مصادر مطلعة أن الكلمة الأخيرة تبقى لمعراب. ويبدو أن النقاشات المرحلية لم ترفع بعد الى القيادة المركزية، وخصوصا بسبب طرح سكاف تقاسم ولاية المجلس مع القوات لثلاث سنوات، وبسبب عدم التوافق على الاسم الذي طرحته القوات اللبنانية لترؤس البلدية.

في اتصال أجرته “المدن” مع منسق القوات اللبنانية في زحلة آلان منير، رفض الكشف عن تفاصيل الخطوات المتخذة على صعيد التحالفات، مكتفيا بالقول “أن المفاوضات على قدم وساق وانشالله تكون لخير المدينة”.

الا أن القوات اللبنانية تنطلق في إختيارها السير بمعركتها منفردة، او مع شركاء لا يملكون قدرتها التجييرية، من كونها تملك الجو المسيحي العام، سواء في زحلة أو خارجها، ولكن من دون أن تسقط حساباتها لما يمكن أن يعطل مفعول هذه القدرة التجييرية، ومن بينها حجم الصوت الشيعي في المدينة، والذي يشكل “بلوكا” انتخابيا، يحركه الثنائي حزب الله حركة أمل. ومع أنه لا تفاهمات نهائية حول وجهة هذا الصوت، تبدو سكاف أبرز المرشحين للفوز به.

الصوت الشيعي والعوني
إلا أن الصوت الشيعي يبدو سيفا ذو حدين في حسابات سكاف، وقد يؤثر في خياراتها. فإذا تحالفت مع القوات ستخسر الصوت الشيعي، وإذا خاضت المعركة بالاعتماد على الصوت الشيعي قد تخسر الصوت المسيحي، وحتى الصامت. هذا في وقت قد يملك الثنائي حسابات مختلفة تجاه هدر صوته في دعم لائحة قد لا تتأمن لها الرافعة المسيحية.

أما التيار الوطني الحر فلم يعلن موقفا من انتخابات زحلة حتى الآن. وبدأ الحديث عن تركه الحرية لناخبيه ومرشحيه، وهذا الأمر من شأنه أن يشتت أصواته، خصوصا أن معركة التيار داخلية بالدرجة الأولى، وهي تتمدد من الانتخابات البلدية الى النيابية، حيث يدور صراع خفي بين أجنحة التيار على تغييرات مطلوبة على المستوى التمثيلي البرلماني للمدينة.

هذه المطبات التي تدخل في الحسابات الانتخابية عند كل الأطراف، تزيد من حماوة المعركة في زحلة. من دون أن تكون هناك عناوين واضحة لها حتى الآن، خصوصا أن الأطراف التي تخوض معركة التغيير، لم تتهيأ له بما يهيء أرضية ثابتة، أقله من ناحية اختيار شخصية قادرة على مقارعة رئيس البلدية الحالي في حضورها. فالمرشح الطويل الأمد الوحيد للقوات اللبنانية كان رجل الاعمال هيكل العتل، إلا انه في خطوة مفاجئة، وبالطبع غير منفصلة عن إعتراضات حزبية داخلية، أعلن العتل ببيان رسمي تراجعه عن خوض المعركة.

بروز اسم المهندس زياد الترك، فور انسحاب العتل، أوحى أنه المرشح المفترض للقوات، خصوصا أنه نسيب منسق القوات في زحلة. لكن بحسب المعلومات ثمة اعتراضات داخل البيت الواحد على كلا المرشحين. فقد رفعت عريضة اعتراض بالمرشح العتل الى معراب، فيما شن محازبون معارضون حملة على الترك عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وهذا ما يبقي القوات أمام مرشح ثالث، لم يعلن ترشحه رسميا بعد، إلا ان إسمه مطروح على طاولة المفاوضات وهو شربل سكاف. والأخير وفقا للمعلومات لا يحظى بدعم كنّة العائلة ميريم سكاف لحياكة أي تحالف انتخابي بينها وبين القوات. بالانتظار، يترقب الزحليون ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات وتحالفات.