خاص – إسرائيل لن تستثني مرافق الدولة اللبنانيّة في المرّة المقبلة!

خاص – إسرائيل لن تستثني مرافق الدولة اللبنانيّة في المرّة المقبلة!

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
29 آذار 2025

في المرّة الأولى، عندما أُطلقت الصواريخ المجهولة المصدر من لبنان في اتّجاه المستوطنات الأسرائيلية، كان الردّ الإسرائيلي عبر غارات على مواقع في الجنوب والبقاع. وفي المرّة الثانية أمس، عندما أُطلق صاروخان مشابهان، أتى الردّ أكثر عنفاً وعمقاً، حيث استهدف أيضاً الضاحية الجنوبية للمرّة الأولى منذ وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي. فماذا سيكون الهدف المقبل، إذا تكرّر إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل للمرّة الثالثة؟

تمكّنت الحكومة اللبنانية عبر اتصالات مع الإدارة الأميركية من تحييد بيروت والضاحية في المرّة الماضية عن الغارات. ولكنّ إسرائيل تجاوزت بالأمس الخطوط الحمر الجديدة، وشنّت غارة على هدف في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما روّعت السكّان بالدعوات إلى الإخلاء في عزّ الحركة، وبينما كان الناس في أعمالهم، والطلاب في مدارسهم وجامعاتهم. وقد اعتبرت أنّ هذا الاستهداف هو رسالة بما يمكن أن تفعله، لو تكرّر مشهد إطلاق الصواريخ في اتجاه مستوطنات الشمال. فما الذي سيمنعها من استهداف مرافق كالمطار أو الكهرباء أو الجسور، إذا ما اعتمدت سياسة التصعيد التدريجيّ؟

فإسرائيل أكّدت أنّها ستقوم بنفسها بالقضاء على أيّ خطر يتهدّدها، وستكمل مهمّة ضرب “حزب الله”، في حال لم تقم الدولة اللبنانية بالدور المطلوب منها في بسط سيطرتها على كامل الجنوب، إضافة إلى نزع سلاح “الحزب”. وقد بدت الإدارة الأميركية متفهّمة تماماً لاستهداف الضاحية كرسالة تحذيريّة مزدوجة للحزب والحكومة اللبنانية في آنٍ واحد. وربّما استفادت واشنطن من التصعيد الذي حصل، لتمارس ضغوطاً إضافية على لبنان الرسميّ من أجل دفعه إلى مواجهة موضوع السلاح، الذي ما زالت الحكومة تتهيّبه، وتحاذر الخوض فيه في شكل مباشر.

وكانت المبعوثة الأميركية المكلّفة الملفّ اللبناني مورغان أورتاغوس واضحة، في حديثها إلى قناة “العربية”، في تحميل الحكومة اللبنانية المسؤوليّة عن ضبط أيّ عمليّة خرق لوقف النار من الجانب اللبناني، سواء أعلن “الحزب” تبني إطلاق الصواريخ أو لم يعلن. فما يعني واشنطن هو أنّ على الحكومة اللبنانية أن تتحمّل المسؤولية عن كلّ ما ينطلق من أراضيها. فاليوم، هناك سلطة جديدة في لبنان، تعهّدت حصر السلاح بيد القوى الشرعيّة، وعليها أن تنفّذ تعهّداتها.

وفي الواقع، تمارس الأدارة الأميركية ضغوطاً على لبنان، لتحزم السلطة أمرها وتقوم بسحب السلاح ومصادرته. وسرت معلومات عن مهلة ضمنيّة لذلك لا تتجاوز شهر حزيران المقبل، وإلّا لن تستطيع واشنطن منع إسرائيل من العودة إلى الحرب، لكي تقوم بالمهمّة بنفسها.

وتعتبر الإدارة الأميركية أنّ الوضع يجب أن يكون مختلفاً الآن في لبنان، مع انتخاب رئيس للجمهورية موثوق به من واشنطن، وتشكيل حكومة توحي بالثقة. ومع تفهّمها لحاجة السلطة الجديدة إلى بعض الوقت لتأخذ الأمور بيدها، ترى أنّ مهمّة نزع السلاح يجب أن تكون أكثر سهولة على القوى الشرعية اللبنانية. فـ “حزب الله” هو في أضعف حالاته اليوم بعد الحرب الأخيرة عليه وعلى كل المحور الذي يمثّله. وحجّة الدولة اللبنانية لعدم قيامها بدورها في ما خص السلاح هي حجّة ضعيفة. وفي أيّ حال، إذا لم تفعل، فهي تفتح الباب لعودة إسرائيل إلى الحرب، كما حصل في غزّة. والحرب هذه المرّة ربّما لن تقصر على البنى التحتيّة الخاصة بـ “الحزب، بل قد تتعدّاها لتستهدف بنى تحتيّة للدولة اللبنانية، على أساس أنّ الحكومة تتحمّل المسؤولية عن كل ما يجري على أراضيها.

وهذا الواقع، يضع رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام في زاوية ضيّقة للتصرّف في موضوع سلاح “الحزب” وعدم تركه في منطقة مبهمة. فالشعارات التي رُفعت حول حصريّة السلاح والقول إنّه أصبح صفحة مطوية، يجب أن تقترن بالفعل. وهذا الفعل يجب أن يكون واضحاً ومعلناً ومباشراً، ومحدّداً ضمن برنامج زمنيّ.

وتعرف الحكومة أنّ لبنان لن يحصل على أي مساعدات، سواء للجيش أو للنهوض الاقتصادي، إلّا على قياس الخطوات التي تنفّذها على صعيدي بسط السيادة والإصلاح. وفي حال لم يُترجَم استعداد الخارج للمساعدة على أرض الواقع، فإنّ عمل الحكومة التي ترفع راية التغيير سيصاب بنكسة، وستخسر السلطة الجديدة الكثير من رصيدها.

كما أنّ عودة الحرب من جديد، وقيام إسرائيل باستهداف مرافق للدولة اللبنانية، سيهدّدان أسس الحكم الجديد. وهذا ما سيستفيد منه “الحزب” للإطاحة بحكومة سلام. وتكون الفوضى مصلحة لإسرائيل أيضاً، كي تبيح لنفسها ما تشاء، وتوسّع احتلالها للجنوب. لذا، فإنّ مخاطر زعزعة الاستقرار الداخلي في حال نزع السلاح، ولو بالقوّة، ستكون حينها ألطف بكثير ممّا يمكن أن يصيب لبنان من مخاطر الانهيار والاندثار.