
الانتخابات النيابية و”فزاعة العدد”: تكريس للشراكة أم تضييع للحقوق؟
من بين الاقتراحات، أخرج نواب كتلة التنمية والتحرير اقتراح قانون لبنان دائرة إنتخابية واحدة وطرحوه في بازار النقاش. هذا ما حصل في اجتماع اللجان المشتركة حين استحضرت اقتراحات قوانين كالدائرة الواحدة والارثوذكسي وOne man one vote.
قوانين “بالجملة”
يعود النقاش حول قانون الانتخاب إلى الواجهة من باب الحديث عن تعديلات جذرية مطلوبة على النظام النسبي المعمول به. أكان عبر إقامة الميغاسنتر واقتراع المغتربين لستة نواب يمثلونهم في الاغتراب أو اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت تفضيلي واحد.
لكن الاتفاق على إجراء التعديلات لا يعني أن الكتل كافة موافقة على النقاط الثلاث. فالثنائي أمل وحزب الله لا يقبل بالميغاسنتر والأسباب معروفة. في المقابل ترفض الكتل المسيحية طرح الصوتين التفضيليين الذي يسعى الثنائي إلى تمريره.
توضح مصادر مطلعة لـ”المدن” أن “طرح اعتماد الصوت التفضيلي الثاني يفرض على مناطق حيث الكثافة من مذهب أو طائفة المقعد الثاني على الحليف في اللائحة. على سبيل المثال، الشيعة في قضاء جبيل، حيث هم أقلية يحتاجون إلى التحالف مع الأكثرية، بإمكانهم من خلال تحالفهم مع الأكثرية ومن ضمن اللائحة ذاتها، أن يفرضوا من خلال الصوت التفضيلي الثاني المرشح المسيحي الذي يفضلون. بالقدرة التجييرية التي يؤمنها الصوت التفضيلي الثاني، بإمكان الشيعة أن يتحكموا باللائحة. الأمر ذاته ينسحب على البقاع الشمالي، حيث يتحكم الصوت السني بمرشح القوات اللبنانية، وفي زحلة يتحكم الشيعة والسنة بالتمثيل المسيحي، وفي البقاع الغربي يفرضون على الدروز الاسم الذي يريدون عن المقعد الدرزي”.
اعتماد الصوت التفضيلي الثاني لا يختلف بأهدافه ونتائجه كثيراً عن اقتراح قانون لبنان دائرة انتخابية واحدة.
اغتيال سياسي؟
يدرك الرئيس بري أن القوى المسيحية على اختلافها ترفض القانون ومن المستحيل أن تساوم على تمريره. “اقتراح لبنان الدائرة الواحدة، هو اغتيال سياسي للتمثيل المسيحي الصحيح في المجلس النيابي وهو عودة إلى زمن ولى منذ التسعينيات”، تقول مصادر معنية بالموقف المسيحي؛ وهي ترى أن بري لا يريد هذا القانون بقدر ما يريد الضغط على الكتل كافة، ولاسيما الكتل المسيحية، للذهاب إلى نقاش يؤدي إما إلى إقرار قانون مختلف عن القانون النسبي، أو البقاء على الصيغة الحالية من دون تعديلات، لا يريدها الثنائي.
التلويح بالدائرة الواحدة، ومحاولة الدفع بإتجاه الصوت التفضيلي الثاني كتعديل وحيد يوافق عليه الثنائي، وضع الكتل المسيحية أمام خيارات عدة. فما استعاده المسيحيون تدريجياً منذ اتفاق الدوحة إلى اليوم، على مستوى وصول أكثرية النواب المسيحيين بأصوات مسيحية، لن يقبلوا خسارته بأي شكل من الأشكال. ولهذا نفض التيار الوطني الحر الغبار عن اقتراح القانون الأرثوذكسي ووضعه في وجه اقتراح قانون بري، كما أعادت الكتائب اللبنانية إلى طاولة النقاش اقتراح الـOne man one vote.
بهذه الخطوة، أرادت القوى المسيحية التأكيد أنه رغم تشتت أصواتها، وخلافًا للثنائي الذي يخوض الاستحقاقات الانتخابية باتجاه موحد، فإن كل طرف منها، من موقعه، متمسك بالإنجاز الذي تحقق في الانتخابات الماضية، حيث نجحوا في إيصال 53 نائبًا مسيحيًا من أصل 64، مستندين إلى قوتهم الانتخابية وبعض التحالفات.
فزاعة “لبنان الدائرة الواحدة”
ما هو قانون لبنان دائرة إنتخابية واحدة؟
يعتمد هذا القانون على اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، حيث يُنتخب النواب وفق النظام النسبي على مستوى وطني. وتُوزَّع المقاعد بين اللوائح الانتخابية بحسب نسبة الأصوات التي تحصدها كل لائحة على نطاق البلاد ككل.
يصوت بموجبه الناخبون في كل لبنان بشكل موحد للائحة واحدة مقفلة، عليها أن تضم ما بين 26 مرشحا كحد أدنى الى 128 مرشحاً، تحتسب نتائج الفوز فيها وفقاً لنسبة الأصوات التي تحصل عليها كل لائحة. على سبيل المثال، إذا حصلت لائحة على خمسين في المئة من الاصوات على مستوى كل لبنان، تحصل على خمسين في المئة من المقاعد في البرلمان.
إذا اختارت أكثرية مسلمة تشكيل لائحة تضمن فيها مسبقاً الأصوات المسلمة أكانت سنية أو شيعية، وهي تريد أن تسيطر على التمثيل المسيحي، فهي بإدراجها أسماء المرشحين المسيحيين في المناطق ذات الغالبية المسيحية، ككسروان وجبيل وجزين والمتن ودائرة بيروت الأولى على سبيل المثال، في أعلى اللائحة، وهذه اللائحة تنال أكثرية الاصوات على مستوى لبنان الدائرة الواحدة، تضمن فوز هؤلاء بأصوات الأكثرية على مستوى لبنان، وإن لم يحصلوا على أكثرية الأصوات في مناطقهم ذات الغالبية المسيحية.
هكذا يضرب التمثيل المسيحي في عقر داره.
أيضا في حال عُقد تحالف سني شيعي على مستوى لبنان، يمكن لهذا التحالف أن يأتي بأكثر من ثلثي النواب إن لم يكن أكثر من 100 نائب.
في القانون الذي يعتمد على الترتيب العددي في الأصوات التي تنالها اللوائح، يحتمل أن يصل ما يقارب الـ25 نائباً بأصوات المسيحيين فقط، إذا كانت التحالفات في لوائح حلت بدرجات أقل أهمية من حيث اجمالي الأصوات على مستوى كل لبنان، وكان الصوت المسلم فيها أقل تأثيراً من اللوائح التي حلت في مراتب أولى.
في العام 2022 انتخب حوالى 550 ألف مسيحي من أصل مليون و900 ألف مقترع على مستوى كل لبنان. وبالتالي، اليوم سيضيع الصوت المسيحي في لبنان كدائرة انتخابية واحدة في بحر الصوت المسلم، خصوصاً إذا إستمر التحالف الشيعي بين أمل وحزب الله، وعاد تيار المستقبل إلى الساحة السياسية واستقطب أكثرية الاصوات السنية. يعني هناك بلوكان: سني وشيعي يأتيان بنوابهما وبنواب من الطوائف الأخرى. في حين أن الصوت المسيحي المشتت أصلاً، سيزداد تشتتاً. وفي حال بقي المستقبل خارج اللعبة، فإن الثنائي سيكون الناخب الأكبر على مستوى كل لبنان إذا أقر قانون الرئيس بري.
منذ العام 2005، عملت القوى المسيحية على استعادة التوازنات في المجلس النيابي عبر تصحيح التمثيل. تدرج ذلك من خلال العودة الى قانون الـ60 ومن ثم القانون النسبي. في آخر دورة انتخابية في العام 2022، نجح المسيحيون في تصحيح الغالبية العظمى من التمثيل المسيحي في البرلمان. فأتوا بقوتهم وبدرجة ثانية بتحالفاتهم، بـ53 نائباً من أصل 64، لاسيما في الدوائر حيث الأكثرية الناخبة مسيحية.
اليوم بفتح النقاش قبل سنة وثلاثة أشهر على الاستحقاق الانتخابي، يرى البعض أنها محاولة للالتفاف على استكمال الإصلاحات في القانون النسبي، ومنع تعديل القانون لإقرار الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة واقتراع المغتربين لستة نواب في الخارج، خصوصاً وأن طرح الثنائي ولاسيما حركة أمل، اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت تفضيلي واحد، يواجه برفض من القوى الأخرى، لما لهذا الصوت الثاني من ثقل وقوة تجييرية تؤثر على صحة التمثيل في العديد من الدوائر، وستكون نتيجتها شبيهة بتلك التي قد يفرزها اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة.
نقاش شهد المجلس النيابي جولة أولى منه في اجتماع اللجان المشتركة منذ أيام، ويخشى إذا ما استمر بالخلفيات ذاتها وتطور إلى حدية أكثر، أن تكون إرتداداته مجهولة على الاستحقاق في ربيع العام 2026.