
“المحافظون الجدد – لبنان”: يمين حازم في وجه «الميوعة» السياسية
من غير المستغرب، أن تنعكس المتغيّرات الجذرية التي تضرب المنطقة والعالم، على الواقع اللبناني، وتخلق معها ديناميكيات جديدة في التفكير والرؤية، تكون أكثر وضوحاً وحيويةً، بعد أن اتّسمت الحياة السياسية المحلية، طيلة الحقبة الماضية بالميوعة والخروقات الثقافية والسياسية الملتبسة.
لذا، ما إنّ أطلق “المحافظون الجدد – لبنان” مؤتمرهم الأول، السبت الفائت، في بيت مري، حتّى شُنّت بحقّهم حملات شعواء، مُستعينة بمفردات الأنظمة البعثية والتوتاليتارية البائدة. فبمجرّد طرحهم هواجس ومعاناة مجتمعية تاريخية، واجتراح حلول جذرية لها، حتى أُمطِروا بصلية صاروخية من التهم الجاهزة، والمُرَدّدة بصيغة “الكاسيت” مثل: الإنعزال، التعصّب والتقوقع. وتلا عليهم آخرون، مواعظ لاهوتية وعلمانية لإرشادهم نحو الصراط المستقيم والوطنية النقيّة، علماً أن بعض هؤلاء “العلمانيين” يمقتون باسم المواطنة والإنسانية، فكرة الهويات والخصوصيات، مع أن هذا المقت، يتعارض جوهريّاً مع شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تقرّ وتعترف بالحقوق السياسية للجماعات كما للأفراد. وبعض الجهات الدينيّة نعتتهم بـ”اليمين المسيحي المتطرّف”، مُستنسخة بذلك، ذات التعابير التي تُطلق على اليمين في الغرب.
لم يُخفِ “المحافظون الجدد” هويتهم المسيحية ولا “يمينيّتهم” كقاعدة سوسيو – ثقافية لأفكارهم ومشروعهم، فهذه ليست إثماً ولا مداعاة للخجل. لم يستوردوا أفكارهم من خارجٍ ما، غريب عن الأرضية اللبنانية. ما ينادون به عملياً، ليس جديداً على مسامع اللبنانيين والمسيحيين ولا على من يؤمنون به صدقاً بعمق وجودهم، فما يقوله المسيحيون داخل بيوتهم وبيئاتهم همساً أو علناً، ترجمه “مؤتمر بيت مري” برؤية سياسية واضحة، بلا تقيّة أو مراوغة.
وبعد الهجمة الكبيرة وما رافقها من أضاليل خبط عشواء، وتبياناً لبعض المسائل التي أخذت حيّزاً من التفاعل المؤيّد والرّافض (من دون انتقاص لأهمية النقاط الأخرى)، أوضح المدير التنفيذي للمؤتمر الدائم للفدرالية المحامي نديم البستاني: “أنّ مجابهة “اليسار العالمي”، لا علاقة لها بالمفاهيم والاصطفافات القديمة لليسار واليمين إبّان الحرب الباردة، حيث أنّ المقصود، هو التيار “النيو ليبرالي” وسياساته المُدمّرة للمجتمعات والقيم الحضارية، وأشكاله المختلفة التي ظهرت على الساحة اللبنانية، في محاولة لمصادرة القرار السياسي للمسيحيين والقضاء على تاريخهم ووجدانهم وهويتهم، إضافة إلى حماية العائلة المكوّنة من أب وأم وأولاد، مع رفض ربط الهوية الجندرية بأي مشروع سياسي. وفي ما عدا ذلك، فإن المنصة منفتحة للتعاون مع كل الأطراف”.
وعن إقامة علاقات مع أحزاب اليمين العالمي، شدّد على أن “التحالف ليس من باب أي تبعية عقائدية أو أيديولوجية، بل من منطلق تحقيق المصالح والأهداف المشتركة بما يحفظ خصوصيات كل دولة”.
ومن يرى أن منصّة “بيت مري” تُعزّز التباعد والكراهية، يُكرّر البستاني أن المؤتمر أكّد بما لا لبس فيه “رفض خطاب الكراهية وأي شكل من أشكال قمع إعلان الهوية الجماعية المسيحية ورفض معاداة الغرب الذي تحركه غايات العنصرية الدينية أو الإيديولوجيا اليسارية من جهة، ومجابهة الإسلام السياسي المتطرّف والحركات الجهادية وتفريقها عن الإسلام كدين سماوي كريم من جهة أخرى، كما إقامة أفضل علاقات الصداقة والمحبة والأخوة الإنسانية مع العرب بما يؤمّن مصالح الأطراف كافة على قاعدة الندية والاحترام المتبادل”.
من يُنشد الحرية ويعرف قيمتها وعانى دهوراً في سبيلها، لا يمكن اتهامه بالكراهية أو التطرّف، لهذا، يجدّد “المحافظون الجدد – لبنان” إيمانهم بالفدرالية كـ “خيار معتدل لطريقة بناء الدولة وتكوين الحكم وحل إشكالية التعددية الطوائفية، التي لا تؤمّنها اللامركزية الإدارية لأنها تتغافل عن معالجة لبّ المعضلة اللبنانية”. لذا، أين العنصرية عندما يُطالب “المحافظون” بدولة فدرالية؟ أليست الأخيرة هي الردّ الحضاري على الأنظمة التي تسحَقُ فيها الأكثريات حقوق الأقليات، أو تلك التي تستأثر فيها أقلية دينية أو قومية بالحكم والنفوذ؟ أين التعصّب إذا أعلن “المحافظون الجدد” أو أي تجمّعٍ آخر هويته الحضارية أكانت مسيحية أم إسلامية أو علمانية أو لا إنتمائية، طالما أنها تحترم المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان وأسس الدولة الحديثة؟