هل يصمد وقف إطلاق النار في البحر الأسود؟

هل يصمد وقف إطلاق النار في البحر الأسود؟

الكاتب: جورج عيسى | المصدر: النهار
25 آذار 2025

استضافت المملكة العربية السعودية بين الأحد والثلاثاء جولة جديدة من المحادثات بين الأميركيين والروس، كما بين الأميركيين والأوكرانيين. هدفت جولة المفاوضات الأخيرة إلى تعزيز السبل نحو وقف إطلاق نار شامل بين روسيا وأوكرانيا بعد ثلاثة أعوام من الحرب. رأت الولايات المتحدة أن وقف إطلاق النار في البحر الأسود هو تمهيد أساسي للتوصل إلى حل شامل للحرب.

يأتي ذلك بعد توصل الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين خلال مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي إلى اتفاق مبدئي قضى بالامتناع عن استهداف البنى التحتية المرتبطة بالطاقة في كلا البلدين على مدى شهر. ووافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هذا المقترح.

 “ترامب غاضب”

برزت مشكلة أساسية في الاتفاق إذ ذكر الأميركيون أن روسيا وافقت على وقف ضرب “البنية التحتية و(منشآت) الطاقة” بينما ذكر الروس فقط عبارة “البنية التحتية (المرتبطة بـ) الطاقة”. وقال زيلينسكي في 19 آذار/مارس إنه سيجمع لائحة بالبنى التحتية والمنشآت المدنية والطاقوية التي ينبغي على روسيا الامتناع عن استهدافها، على أن تتوقف أوكرانيا عن استهداف ما يقابلها من المنشآت الروسية.

 يظهر ذلك صعوبة ردم الهوة بين الروس والأوكرانيين. ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية يوم الأحد نقلاً عن مصادر مقربة من ترامب أن الرئيس الأميركي يزداد غضباً من استمرار الهجمات بالصواريخ والطائرات بلا طيار، بالرغم من الهدنة المصغرة التي وافق عليها الطرفان.

 وبدا أن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف يناقض تفاؤل موفد ترامب الخاص إلى روسيا ستيف ويتكوف الذي قال الأحد إن قمة السعودية يوم الاثنين قد تفسح المجال أمام وقف إطلاق نار “كامل”. بحسب بيسكوف، كان الاجتماع “مجرد بداية” وتوقع “مفاوضات صعبة” في المراحل المقبلة.    

 من البنية التحتية إلى الأراضي

بحسب وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف الذي قاد وفد بلاده إلى السعودية، عاود الأميركيون والأوكرانيون التفاوض يوم الأحد حول حماية البنية التحتية. مع ذلك، ظلت تلك البنية غير محددة. يوم الاثنين، تبادلت روسيا وأوكرانيا اتهامات بقصف محطة للغاز في سودجا الروسية (كورسك). وكان متوقعاً أن يتواصل التفاوض الأميركي-الروسي في اليوم نفسه حول تحديد البنى التي يتوجب استبعادها عن لائحة القصف، إضافة إلى وقف إطلاق النار في البحر الأسود لضمان أمن الشحن التجاري.

 صباح الثلاثاء، قال عضو الوفد الروسي غريغوري كاراسين لوكالة “ريا” الروسية إن المحادثات كانت “صعبة” لكن “بناءة”.

 وكانت صحيفة “موسكو تايمز” قد ذكرت الأحد نقلاً عن أربعة مصادر “مطلعة على تفكير الكرملين” أن روسيا تريد “شراء الوقت” في المفاوضات على أمل التقدم وضم كل المناطق الأربع في شرق أوكرانيا، أو على الأقل، دفع ترامب إلى إجبار أوكرانيا على التخلي عنها. يأتي ذلك في وقت لا تحتل روسيا أياً منها بشكل كامل.

في الواقع، كانت لوغانسك التي سيطرت عليها روسيا بنسبة 99 في المئة تقريباً، قد شهدت انتكاسة للقوات الروسية خلال الساعات القليلة الماضية، أي بالتوازي مع المفاوضات، إذ استرد الجيش الأوكراني بشكل مفاجئ إحدى البلدات فيها والتي تساوي مساحتها 3 كيلومترات مربعة. وتسيطر روسيا على نحو 70 إلى 75 في المئة من المناطق الأوكرانية الثلاث المتبقية.

 روسيا تقضم المكاسب

تمثل الجهود الروسية في المفاوضات الأخيرة نمطاً واسعاً من المطالب التي تفيدها أكثر مما تفيد أوكرانيا. فوقف استهداف منشآت الطاقة يحمي المورد الروسي الأساسي لتمويل الحرب. لهذا السبب، تصر روسيا على حصر مطلب عدم استهداف البنية التحتية بالشق المتعلق بتوليد الطاقة، حيث تتعرض البنية التحتية المدنية الأوكرانية للقصف الروسي، بغية زيادة الضغط النفسي على المجتمع الأوكراني.

 على نحو مماثل، يقدم وقف إطلاق النار في البحر الأسود مكسباً لروسيا بالدرجة الأولى. منذ فترة طويلة، تدبرت كييف معاودة تصدير حبوبها عبر البحر الأسود إلى مستويات قريبة من تلك التي شهدتها البلاد قبل الحرب. جاء ذلك بعدما دفعت موسكو إلى سحب أسطولها من شبه جزيرة القرم بفعل ضرباتها الصاروخية. وكما تلاحظ كاتبة الشؤون الروسية في موقع “أنهيرد” البريطاني بيثاني إليوت، إن الاتفاق على وقف إطلاق النار في البحر الأسود يسحب من أوكرانيا ورقة تفاوض قوية أمكن أن تحتفظ بها إلى حين بدء المحادثات حول القضايا الجوهرية.

 ويوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن إي اتفاق جديد بشأن البحر الأسود سيخفف القيود على الصادرات الزراعية لروسيا، وهو أمر سيعتمد على إصدار الولايات المتحدة “أمراً” لزيلينسكي كي يقبل به.

 نتائج الاجتماع

قالت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء أيضاً إنها توصلت إلى اتفاقين منفصلين مع أوكرانيا وروسيا لضمان الملاحة الآمنة في البحر الأسود ولتطبيق حظر على الهجمات المتبادلة ضد منشآت الطاقة لكلا البلدين. مع ذلك، كان لافتاً قول لافروف “إننا نحتاج إلى ضمانات واضحة”، مما يضع احتمال تراجع روسيا عن الاتفاق في حال لم تحصل على “الضمانات” المطلوبة.

 كذلك، أعلن عمروف أن بلاده وافقت على وقف إطلاق النار البحري، كما ضد منشآت الطاقة، لكنه أضاف أن أوكرانيا ستنظر إلى تحريك أي سفن بحرية روسية خارج الجزء الشرقي من البحر الأسود على أنه انتهاك وتهديد وستتحرك بموجب الدفاع عن النفس.

 وهذا يعني في المحصلة أن الاتفاقين هشان. قال البيت الأبيض إن واشنطن ستساعد روسيا على وصول صادراتها وأسمدتها الزراعية إلى السوق العالمية مما أثار استياء زيلينسكي بصفته “يضعف” موقف بلاده. كما انتقد موفد ترامب الخاص ستيف ويتكوف لأن معلوماته “تتوافق تماماً مع رسائل الكرملين”. لكنه لفت إلى توافق واشنطن وكييف على إمكانية إشراف أطراف ثالثة على جوانب هدنة مستقبلية.

 ويوم الاثنين، قالت وسائل إعلام أميركية وروسية إنه سيصدر بيان مشترك عن الأميركيين والروس خلال 24 ساعة. لكن بيسكوف قال لاحقاً إنه لن يصدر بيان عن روسيا بما أن المفاوضات تدور حول قضايا تقنية.

 تنظر روسيا إلى أن المتغيرات في واشنطن تصب في مصلحتها وبالتالي هي غير مستعجلة لتقديم تنازلات. بينما قد تحاول أوكرانيا نفسها كسب بعض الوقت مع تباطؤ تقدم الجيش الروسي لكن بالتوازي مع تفادي إغضاب ترامب. ربما تلعب هاتان الرؤيتان دوراً في تأجيل تنفيذ الاتفاقين. وحدها الأيام المقبلة كفيلة بتأكيد أو نفي ذلك.