
خاص- الحكومة تنتظر السلاح على ضفّة النهر
لم نفهم بالتحديد ماذا قصد رئيس الحكومة نوّاف سلام، حين أكّد في حديثه الأخير إلى قناة “العربية”، أنّ “صفحة سلاح “حزب الله” انطوت بعد البيان الوزاري، وشعار شعب جيش مقاومة أصبح من الماضي”. ولم نفهم أيضاً لماذا لم يُرفِق هذا التأكيد بخطّة واضحة عن كيفيّة إنهاء صفحة السلاح، وما إذا كان سيتمّ نزعه عبر عمليّات مصادرة مثلاً، أم سيُترك “الحزب” لكي يقتنع بتسليمه من تلقاء نفسه، أوسيتمّ انتظار متغيّرات إقليمية تقوم بالمهمّة.
ولكنّ سلام أردف شارحاً أنّ “البيان الوزاري ينصّ بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة، والجميع ملتزم بذلك، ولا أحد يعمل في اتّجاه معاكس”، لافتاً إلى أنّ “حصر السلاح لن يحدث بين ليلة وضحاها”.
فما هي الخطّة التي تعمل عليها الحكومة لمعالجة ملفّ السلاح غير الشرعي؟
الواضح أنّ أسلوب نزع السلاح قسراً ليس وارداً. فكلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حريصان على عدم المواجهة مع “الحزب”، وتالياً مع بيئته. وهما يراعيان خاطر الطائفة الشيعية، ولا يريدان استفزازها، حرصاً على الاستقرار. ولذلك، لم يدرج سلام موضوع السلاح في جدول أعمال أيّ جلسة لمجلس الوزراء حتّى الآن. فهو يعتبر أنّ الموضوع منتهٍ من الناحية القانونية والسياسية، بمجرّد أنّ البيان الوزاري أشار بوضوح إلى حصرية السلاح. وقد نالت الحكومة ثقة وازنة من أعضاء مجلس النوّاب بناء على مضمون هذا البيان.
ويقول مصدر وزاري إنّ رئيس الحكومة بأسلوبه الصامت والهادئ، ولكن الحازم والمثابر، يحاول أن يعالج الموضوع بطريقة “الخطوة خطوة” أو بطريقة التراكم. بمعنى أن الحكومة والقوى العسكريّة تقوم بالمطلوب تحت عنوان بسط السيادة وحصر السلاح. فالجيش ينتشر جنوباً، ولو بخطوات غير كافية حتّى الساعة، ويصادر ما أمكن مصادرته. كما ينتشر في الهرمل، ويضبط الاشتباكات مع القوّات السورية، ما أمكن. ويقفل معابر غير شرعية بين البلدين. ولا ننسى القرار الذي اتُّخذ بمنع هبوط الطائرات الإيرانية، بما يمنع إدخال أيّ عتاد أو أموال للحزب. وكلّ هذه الخطوات يمكن إدراجها تحت بند بسط السيادة وحصرية السلاح. ولكنّها خطوات متدرّجة، تفعل فعلها بحكم التراكم.
كما يعتقد المصدر أنّ الأمر الواقع سيفرض نفسه مع الوقت. فـ “الحزب” ضعف كثيراً. وهو يعرف، على رغم الإنكار الظاهر، أنّ قدرته على ضرب إسرائيل انتفت، وأنّ مبرّر بقاء المقاومة لم يعد مقنعاً. فماذا سيفعل بسلاحه في الداخل، ما دام لا يستطيع استعماله؟ لذا، فإنّ السياسة التي يتّبعها “الحزب” تتّسم بالهدوء وبتفهّم ما يقوم به الجيش، حتّى لو خرج بعض الناس في الهرمل ليخوّنوه. كما أنّ موقع رئيس المجلس نبيه برّي يلعب دوراً أساسياً في ربط العلاقة مع السلطة التنفيذية الجديدة. فالثنائي ممثّل في الحكومة، كما أنّ وزير المال ياسين جابر محسوب على حركة “أمل”. وهذا يوحي بوجود ما يشبه “التفاهم الضمني” على أنّ “الحزب لا يصعّد في وجه الحكومة، التي تمتنع بدورها عن استعمال القوّة في عملية سحب السلاح، وتترك الأمور تأخذ مجراها.
ولكن يعرف الجميع في النهاية أنّ اللعبة الحقيقية هي بين إسرائيل و”حزب الله” وكل المحور الإيراني. ويعرف “الحزب” نفسه أنّ أيّ تلاعب أو محاولات لإعادة إحياء ترسانته، ستواجهها إسرائيل بضربات قوية، وهذا ما يحصل يومياً، او بعودة الحرب إلى ما كانت عليه. وإذا كانت الدولة اللبنانية نجحت عبر اتّصالاتها مع الأميركيين في تحييد بيروت ومرافق الدولة عن الاستهداف بعد الصواريخ الأخيرة التي أُطلقت من لبنان، فإنّ هذا التحييد ليس مضموناً في المرّات اللاحقة. فأيّ طرف يمكنه تحمّل عواقب عودة الغارات إلى بيروت والضاحية أو استهداف مرافق رسميّة لبنانية؟
أمّا العامل الآخر الذي يؤثّر على كامل المشهد أنّ الحرب الإقليمية لم تنتهِ بعد. فالأميركيون يوجّهون ضربات قاسية إلى الحوثيين في اليمن، فيما احتمال اللجوء إلى الحلّ العسكري مع إيران ليس مستبعداً، إلّا إذا قبلت بالشروط الأميركية التي تتناول وقفأً نهائياً للبرنامج النووي وللبرنامج الصاروخي أيضاً. وإذا ما أُضعف الدور الإيراني أكثر فأكثر، فإنّ موضوح السلاح في الداخل اللبناني يسقط من تلقاء نفسه ومن دون كبير عناء.
ولكن، إذا كان لبنان يريد التمهّل في بتّ موضوع السلاح، فهل الولايات المتّحدة في وارد إعطاء الوقت الكافي للحكومة اللبنانية؟ في الواقع، الضغوط الأميركية كبيرة على لبنان، وهناك دعوات لتشكيل لجان لبتّ موضوع الحدود والنقاط الخمس التي تحتلّها إسرائيل. ولكن، لدى الحكومة اللبنانية قناعة بترك الأمور تأخذ مجراها، بحيث تفرض التوازنات الجديدة انتهاء موضوع السلاح على كل الأراضي اللبنانية، وما عليها سوى الانتظار على ضفّة النهر.