خاص- لأن العمل عبادة

خاص- لأن العمل عبادة

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24
21 آذار 2025

بعيدًا من الحرب الإسرائيلية المستمرة على “حزب الله” ومواصلة احتلال أراض لبنانية، وأيضًا بعيدًا من الإشكالات المستحدثة مع القوات السورية في مناطق البقاع الشمالي وما أعقبها من تطورات ميدانية، وبالرغم من ان السبب والمسبّب واحد في الحالتين، ما زال المواطن يتساءل بحيرة من دون أن يجد جوابًا: أين الدولة؟

فرح المواطن بانتهاء الشغور الرئاسي مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا، وصفّق بحرارة لما جاء في خطاب القسم من كلام لم يسمع مثله منذ زمن طويل. هلل لتسمية القاضي نواف سلام رئيسًا للحكومة وصفّق أيضًا لما جاء في البيان الوزاري، وأبدى إعجابه بغالبية الوجوه الوزارية الجديدة التي بدت من أصحاب الاختصاص، والتي بدت ممتلئة بالعزيمة والرغبة في الإصلاح ومحاربة الفساد وتحقيق النهوض المطلوب.

أما اليوم، وبعد نحو شهرين من نيل حكومة “الإصلاح والإنقاذ” ثقة مجلس النواب، لم يشعر المواطن بعد بأي تغيير في الأداء يوحي بإعادة إمساك الدولة بالسلطة الفعلية. الحديث في هذا السياق لا يتناول القضايا الكبرى ذات الارتباط الإقليمي والدولي مثل تنفيذ القرارات الدولية وسحب سلاح “حزب الله” وترسيم الحدود.. علمًا أن كل هذه القضايا أساسية ومصيرية بالنسبة لمستقبل لبنان، بل انه يتطرق الى قضايا أقل أهمية بكثير وأقل صعوبة بما لا يقاس، لكنها توحي باستعادة الدولة للقرار، وتدخل الطمأنينة الى قلب المواطن وترفع منسوب الأمل المتآكل لديه.

على سبيل المثال لا الحصر:

-ما الذي يمنع من إحداث ثورة في “النافعة” بإدخال دم جديد ونظيف الى هيئة إدارة السير والمركبات لتسهيل معاملات المواطنين وتسريعها من جهة، وتأمين جباية عشرات ملايين الدولارات للخزينة التي هي بأمسّ الحاجة إليها؟

-ما الذي يمنع من ثورة مماثلة في الدوائر العقارية التي تعاني شللا جزئيا او كليًا منذ سنوات حارمة الخزينة أيضًا من عشرات ملايين الدولارات، وتاركة معاملات المواطنين ومصالحهم قابعة في الأدراج؟

-أقل من ذلك. ما الذي يمنع إصلاح الشارات الضوئية على الطرقات العامة والتقاطعات ما يمنع الحوادث المميتة في هذه المواقع، لأن نشر عدد من عناصر شرطة السير لا يكفي وحده لمنع الحوادث وحل أزمة الازدحام على الطرقات؟

-ما الذي يمنع من “ترقيع” الحفر على الطرقات في انتظار الدراسات لمشاريع صيانة كبرى؟ وما الذي يمنع إصلاح الفواصل الحديدية على الجسور، إضافة الى القواطع الحديدية المخصصة لتصريف مياه الأمطار وأغطية شبكات الصرف الصحي؟

-ما الذي يمنع إضاءة الطرقات الرئيسية بالتعاون مع البلديات والجمعيات وأصحاب المولدات الخاصة؟

-ما الذي يمنع حل المعضلة الكارثية التي تسببها الدراجات النارية المنتشرة كالفطر على الطرقات والتي تتسبّب بنسبة كبيرة من الحوادث، علمًا أن غالبية هذه الدراجات غير مسجّلة في النافعة وتسبب بالتالي خطرا أمنيًا يضاف الى خطرها المروري؟

-ما الذي يمنع تفعيل قانون السير المقرّ في مجلس النواب، مع التشدد في منع استخدام الهاتف الخلوي اثناء القيادة، بعدما أثبتت الإحصاءات أنه المتسبب الأول بحوادث السير على الطرقات؟

-ما الذي يمنع تحسين الخدمات اليومية للمواطن من كهرباء وماء واتصالات تدريجيًا، مع إعادة النظر بتعرفات بعضها بعدما تم رفعها بصورة عشوائية غير مدروسة؟

-ما الذي يمنع إزالة المخالفات والتعديات على الأملاك العامة، وخاصة في نطاق بلدية العاصمة واجهة لبنان ومرآته الى العالم، بعدما نمت هذه التعديات بشكل لافت في الفترة الأخيرة؟

أمثلة قليلة وصغيرة شكلت غيضًا من فيض ما يدور في ذهن المواطن الذي لم يشعر الى الآن بعودة الدولة الى الإمساك بزمام الأمور كسلطة وحيدة مسؤولة عن أمنه وسلامته ومتطلباته. لذلك بات على الوزراء الجدد وقف هذا الإسهال المستمر في التصريحات لشرح مشاريعهم ومخططاتهم لوزاراتهم والانتقال الى فعل ما يمكنهم فعله، خاصة وأنهم ربما يكونون قد نسوا أن عمر حكومتهم لن يتجاوز مبدئيًا الخمسة عشر شهرًا، وهي مدة غير كافية لتحقيق مشاريع استراتيجية مستقبلية.

الجميع يعلم أن التركة ثقيلة وثقيلة جدًا، وأن البلد في حال انهيار على جميع المستويات. كما أن الجميع يعلم أن أقل من شهرين من عمر حكومة “الإنقاذ والإصلاح” ليس بالكثير. لكن الجميع يعلم أيضًا أن المطلوب كثير، وأن العمل كثير والفعلة قليلون. لذلك فإن كل مواطن شريف يناشدكم أيها السادة الوزراء الوفاء بالقسَمين في خطابَي الرئيسين عون وسلام وتحمّل المسؤولية بشكل أكثر فاعلية وجدية. ولأن العمل عبادة، يناشدكم المواطن بألا تصوموا عن الطعام في الصيامَين الكريمين، بل بأن تصوموا عن التصريحات والاستقبالات والمناسبات الاجتماعية التي لا طائل منها. أيها السادة الوزراء، أغلقوا أبواب مكاتبكم مع “الأوادم” في وزاراتكم وانكبوا على الإنجاز لأن البلد لم يعد يملك ترف الوقت. أنجزوا كل يوم مهما كان الإنجاز بسيطًا، حتى يشعر المواطن أن رحلة الخروج من هذا المستنقع العفن قد بدأت وأن الغد سيكون حتمًا أفضل من اليوم.