
خاص- ترامب يساوم بوتين على رأس إيران
الأمر الثابت في مفهوم الولايات المتّحدة وإسرائيل بالنسبة إلى الملفّ الإيراني، هو وقف البرنامج النووي. فهذا البرنامج يقترب جدّاً من إنتاج القنبلة النووية، والوقت لم يعد يسمح بالمماطلة، كما أنّ الظروف مهيّأة سياسياً وعسكرياً لتنفيذ المهمّة.
وبالفعل، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداً واضحاً لطهران، في رسالة إلى المرشد علي خامنئي، مفادها أنّ هناك مهلة شهرين للتوصّل إلى اتّفاق حول البرنامج النووي والصاروخي، وإلّا سيتمّ اللجوء إلى الخيار العسكري. كما لفتت رسالة نشرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر حساباته الرسمية، متوجّهاً إلى الشعب الإيراني بالتهنئة بعيد النوروز، حيث اعتبر أنّ “الوقت قد حان لكي تعود موارد إيران إلى شعبها، ولكي تحلّ الحرّية الحقيقية محلّ القمع”.
إضافة إلى هذين التهديدين العلنيين، هناك مؤشّرات عدّة توحي بأنّ القرار بضرب المواقع النووية ومواقع إنتاج الصواريخ الإيرانية قد اتُّخذ، بالتنسيق بين واشنطن وتلّ أبيب، وأنّ العمل يجري الآن على تحضير الأرضيّة السياسية الدولية التي تسمح بإعلان ساعة الصفر للعمل العسكري.
فهناك أوّلاً تنسيق أميركي أوروبي في كيفيّة التعامل مع إيران. إذ كُشف أنّ اجتماعاً رباعيّاً عُقد على هامش اجتماعات مجلس الأمن، بين كلّ من الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، جرى فيه التداول في طريقة التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني. وتمّ التطرّق إلى احتمال اللجوء إلى الحلّ العسكري، ما لم تقدّم طهران تنازلات كبيرة.
وترى كلّ من إسرائيل والولايات المتّحدة أنّ الأرضية مهيّأة جداّ لحسم الموضوع الإيراني، بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بالمحور الإيراني، عبر إضعاف “حماس” في غزّة، ثمّ “حزب الله” في لبنان، فسقوط نظام الأسد في سوريا. كما أنّ ضربات جويّة إسرائيلية سبق أن استهدفت نظام الدفاع الجوّي الإيراني الذي تضرّر في شكل كبير.
ولكنّ الأهمّ أنّ واشنطن تعمل على تحييد روسيا في هذا الملفّ الإيراني، كي يتسنّى لها التفرّغ لهذا الموضوع، مع ضوء أخضر من موسكو. وبالفعل، تشعر روسيا أنّ دورها تراجع كثيراً في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد، وترغب في التعويض في مكان آخر. وهذا ما يعمل عليه ترامب في الصفقة مع الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، بحيث يعطيه مكاسب في أوكرانيا، في مقابل مكاسب لواشنطن في الشرق الأوسط وإيران.
وفي الواقع، فإنّ الاتصال الهاتفي الطويل بين الرئيسين الأميركي والروسي حول موضوع وقف الحرب في أوكرانيا، تطرّق أيضاً إلى ملف الشرق الأوسط، حيث تمّ الاتّفاق على “منع إيران من أن تكون في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل”. وهذا يعني ضمناً موافقة روسيا على إنهاء البرنامج النووي الإيراني. وقد فهم بوتين في أيّ حال أنّ المنطقة ستصبح ساحة أميركية بالكامل.
كما تعتبر الدوائر الأميركية أنّ الضعف الذي لحق بإيران انعكس أيضاً ضعفاّ في الداخل، بحيث بات تحريك المعارضة أو التظاهرات ضدّ نظام خامنئي ممكناً، بالتزامن مع التضييق الاقتصادي والعقوبات والحصار. ويبدو أن طهران فهمت هذا الواقع. لذا اتّخذت السلطات الإيرانية قبل أيّام قراراً بإلغاء دوريّات شرطة الآداب، في إطار تعديلات شملت ما يُعرف بـ “قانون الحجاب”، في محاولة لامتصاص المعارضة ومنع اندلاع احتجاجات، على غرار الاحتجاجات التي شهدتها إيران في أعقاب وفاة الشابّة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الآداب في العام 2022.
تلتقي الرغبتان الأميركية والإسرائيلية في توجيه ضربة إلى إيران. ولن يقبل ترامب بأقلّ من تفكيك البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي بالكامل، وأن توقف طهران أيّ شكل من أشكال الدعم لأذرعها الإقليمية. لذا بدأ ضرب مواقع الحوثيين في اليمن، حيث تبيّن أن إيران ما زالت تزوّد هؤلاء بالسلاح والمال. كما تبيّن أنّ الحوثيين يملكون صواريخ نوعية ومسيّرات متقدّمة بفعل الدعم الإيراني. وهذا ما يدفع في اتّجاه تصويب الضربة إلى الرأس مباشرة، أي إيران، فتنهار المنظومة مرّة وحدة.
وربّما تحصل العملية العسكرية ضدّ إيران بالشراكة بين الولايات المتّحدة وإسرائيل. لكن هذه العملية ليست سهلة. فطهران متمسّكة حتّى الآن بموقفها المتصلّب، وترفض العودة إلى المفاوضات تحت التهديد، وتؤكّد أنّها لن تخضع للضغوط. أمّا مواقعها النووية الأساسية فتقع في أعماق سحيقة تحت الأرض، وهي موزّعة في أماكن مختلفة، وكذلك برنامجها الصاروخي.
إنّ حرباً بهذا الحجم ستهدّد المنطقة برمّتها. فهل تعود إيران إلى براغماتيّتها وتتنازل، أم أنّ التنازل المطلوب هذه المرّة سيكون كبيراً لدرجة أنّها ستخسر كلّ شيء؟