
«بوابات الجحيم» في الإقليم… هل تَحمل لبنان إلى مسار دبلوماسي مع إسرائيل؟
… «كرة اللهب» في غزة، ووهجُها في لبنان الذي لم يغادر بالكامل «ملعبَ النار» منذ أن زُجّ فيه غداة «طوفان الأقصى».
هكذا بدا المشهدُ في بيروت مع مُعاودةِ اسرائيل اقتيادَ غزة إلى ما يشي بأنه «غرفة غاز» يُراد أن تَخنق القطاع بمَن فيه وصولاً إلى تحقيق تل ابيب أهدافها، بإطلاق الرهائن واستيلاد مستقبلٍ سياسي وحلٍّ دائمٍ لا مكان فيه لـ «حماس» وربما لـ… الغزاويين.
وبمزيجٍ من الصدمة والقلق واكب لبنان مَلامَح ما يشي بأنه «اليوم التالي» الذي يُكتب «بالحديد والنار» للشرق الأوسط برمّته، عبر «بواباتِ الجحيم» التي فُتحت بالتوازي، على الحوثيين الذين باغتتْهم الولايات المتحدة بـ «دقّت ساعتكم» ودكّ مَعاقلهم في إطار قرارٍ كبير باجتثاث خطرهم على الملاحة الدولية وكذراعٍ «بر مائية» وجوية لطهران، وعلى «حماس» التي انقضّتْ عليها اسرائيل في «ليلة القبض» على مسؤولين وقادة فيها اغتيلوا في «عملية الفجر»، في وقت وَضَعَ الرئيس دونالد ترامب «المسدس في رأس» إيران بإعلانه «من الآن فصاعداً، سيُنظر إلى كل طلقة يطلقها الحوثيون على أنها خرجتْ من أسلحة وقيادة إيران، وستتحمل المسؤولية وستواجه عواقب وخيمة».
و«بلاد الأرز» ليست بعيدة عن هذا الصفيح الساخن الذي استعاد «نشاطَه» على الفوالق الأخطر بما يُنْذِر بزلازل يُراد أن «تثبّت» وتكمل المتغيّرات الجيو – سياسية التي مهّدت لها نتائج «حرب لبنان الثالثة» التي كانت المدماك الأول للشرق الجديد الذي يرتسم وعصفت ارتداداتها العميقة بنظام بشار الأسد في سورية وأسقطت ما اعتقدت طهران أنه «درع مانع» وخطوط دفاع متقدّمة أقامتها وشكّلت «نظام حماية» متعدد الطبقة والساحة لها، سرعان ما بدأ يتداعى تباعاً منذ «طوفان الأقصى» وتداعياته الجارفة للمحور الإيراني.
ولبنان الذي ما زال «نصف باب جهنّم» مفتوحاً فيه منذ اتفاقِ وقف النار (27 نوفمبر) الذي تَفهمه اسرائيل والولايات المتحدة على أنه «وَصفة» لإنهاء سلاح «حزب الله» جنوب الليطاني وشماله، والذي تصرّ تل ابيب على ترجمةِ تفسيرها له في «يومياتِ الغارات» التي شملت ليل الاثنين أربع ضربات جوية متلاحقة على خراج بلدة لبايا في البقاع الغربي ثم بالقرب من ميدون.
وفي وقت أسبغ الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي طابعاً غير مسبوق على الخروق المستمرة لاتفاق وقف النار بتأكيده «سيواصل الجيش العمل لإزالة كل تهديد على دولة إسرائيل وسيمنع أي محاولة لإعادة إعمار وتموْضع لحزب الله»، فإنّ حبْس أنفاس ساد بإزاء احتمالاتِ أن تُصَعِّد تل ابيب على جبهة لبنان مستفيدةً من «وحدة الساحات» بالنار التي سادتْ «قوس النفوذ الإيراني»، في غزة وضد الحوثيين، وذلك تمهيداً لربط «بلاد الأرز» أكثر فأكثر بمسار «الحرب والسلم لمرة واحدة وأخيرة» الذي يلوح من خلف دخان الحرائق في الاقليم.
ويتكوف… شروط وأكثر
وفي موازاة رَصْد أي انعكاساتٍ ميدانية للحرب المستعادة في غزة على جبهة لبنان، وعلى وقع سريان الهدوء الحذر على الجبهة الشرقية لـ «بلاد الأرز» مع سورية بعد تفاهم بين وزيريْ دفاع البلدين على وقفٍ للنار علّق الاشتباكات الدامية بين الجيش السوري وعشائر لبنانية مدعومة من «حزب الله» والتي أثارت مخاوف من أن تتشابك «فتائلُها» مع برميل البارود المشتعل مع اسرائيل وفي المنطقة وأن ترتدّ على الداخل فتناً وتوتراتٍ، لم يقلّ إثارةً للقلق ما نُقل عن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف حيال لبنان والذي عَكَسَ تشدداً، بإزاءِ مسألةِ فتْحِ مسارٍ جديدٍ دبلوماسي – سياسي من التفاوض مع اسرائيل كانت «اول إشاراته» إعلان واشنطن الاتجاه لإنشاء مجموعات عمل ثلاثية لبحث مسائل الأسرى اللبنانيين، والتلال الخمس التي بقيت محتلة من تل ابيب، والنقاط 13 المتنازع عليها على «الخط الأرزق».
وتم التعاطي مع مواقف ويتكوف التي نقلتها صحيفة «النهار» عن شخصية لبنانية التقتْه أخيراً في الدوحة على أنها بمثابة «الناظم» لِما يُراد لبيروت أن تَعتمده في ما خص مسألة «حزب الله» وسلاحه، وهو ما بات هامش المناورة فيه أضيق أمام لبنان مع تفعيل واشنطن واسرائيل الحرب والقوة كممرّ إلى… «السلام».
وبحسب ما نُقل عن ويتكوف، فإنه «سيتم الطلب من لبنان التوجه إلى مفاوضات سياسية مباشرة وجها لوجه مع إسرائيل وتكليف شخصية مدنية هذه المهمة، على أن يمثل اسرائيل وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر الأقرب إلى عقل بنيامين نتنياهو».
ووفق ويتكوف فإن على «لبنان التوجه إلى المسار السلمي في وقت قريب (…) ولا إعمار للجنوب والمناطق الأخرى المتضررة في البقاع والضاحية الجنوبية قبل إطلاق هذه التسوية مع تل أبيب، ومن غير المسموح بل من الممنوع عودة الأهالي إلى البلدات الحدودية الأمامية وممارسة حياتهم اليومية رغم الاتفاق الذي حصل (…) وستبقى إسرائيل تحتل النقاط الـ 5 إلى نحو سنة، ولن تدخل في أي تسوية أو بت للنقاط الـ13 المتنازع عليها ما لم تسر الامور بحسب ما ترسمه واشنطن (…) ويمنع على حزب الله الاحتفاظ بسلاحه، ليس في جنوب الليطاني فحسب بل في كل أماكن انتشاره من شمال الليطاني إلى البقاع».
وتبقى رسالة ويتكوف، كما نقلت «النهار» أن «على اللبنانيين و«حزب الله» أولا أن يقرأوا جيدا المتغيرات قبل التوجه إلى حديث آخر. وعندما يتحدث عن لبنان ومسار التطورات في الإقليم، لا تغيب إيران عن صدارة أجندته، علما أن الفرصة لیست مفتوحة أمامها أبعد من يونيو المقبل لمنع تدخلاتها في لبنان».
مكافآت مالية
في موازاة ذلك، لم يكن عابراً إعلان وزارة الخارجية الأميركية مكافآت مالية مهمة، مقابل الحصول على معلومات عن الشبكات المالية لحزب الله.
وأفاد برنامج «مكافآت من اجل العدالة» لوزارة الخارجية، عبر «إكس»، بأنه رصد مكافآت تصل إلى 10 ملايين دولار «مقابل الإدلاء بمعلومات عن تهريب الأموال النقدية من إيران لدعم حزب الله في لبنان».
وأورد المنشور «حزب الله يموّل عملياته الإرهابية من خلال العديد من الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك استخدام الطائرات التجارية والطائرات المدنية لتهريب الأموال النقدية».
ودعا البرنامج «كل من لديه معلومات عن تهريب الحزب الأموال النقدية من موظفي المطار، أو موظفي الجمارك، أو مسؤولي الطيران، أو اي أنشطة غير مشروعة أو المرتبطين بذلك، لإرسالها للحصول على مكافأة مالية».
الـ 1701 و… أخواته
في سياق متصل، وعلى وقع تَحَوُّل القرار 1701 «القفل والمفتاح» لجبهة جنوب لبنان، هو الذي يشكل ركيزة اتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر) مع «أخواته» من القرارات الناظمة لسلاح «حزب الله» (1559) وللحدود مع سورية ووجوب ترسيمها ووقف التهريب عبرها (1680)، رحّب الأمين للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش باستمرار وقف النار رغم التحديات، مشيراً إلى «إحراز تقدم نحو انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية بالتزامن مع تعزيز انتشار القوات المسلحة اللبنانية جنوب نهر الليطاني».وأكد خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن لسماع تقريره في شأن تنفيذ الـ 1701 وإحاطة المنسقة الخاصة للبنان جانين هينيس-بلاسخارت في هذا الإطار، أن من «مصلحة لبنان واسرائيل أن تتمكن القوات المسلحة اللبنانية من إعادة تأكيد وتعزيز سلطتها وسلطة الدولة اللبنانية في كل أنحاء أراضيها؛ بما في ذلك ضمان خلو المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني و(الخط الأزرق) من جميع الأفراد المسلحين والأصول والأسلحة خارج سلطة الدولة».وإذ شدد على وجوب إتمام انسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي اللبنانية لأن وجودها شمال «الخط الأزرق يُعدّ انتهاكاً لسيادة لبنان وسلامة أراضيه والقرار (1701)»، مندداً في المقابل بأي انتهاك لسيادة إسرائيل من لبنان، عبّر عن «التفاؤل حيال تعهد الرئيس جوزف عون ضمان احتكار الدولة اللبنانية كل الأسلحة في كل أنحاء أراضيها، وعقد حوار لوضع استراتيجية للأمن الوطني».ودعا الحكومة اللبنانية إلى «تسهيل التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من (اتفاق الطائف) والقرارات (1559) و(1701) و(1680)، التي تقتضي نزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية».
الجبهة مع سورية… on off
في هذا الوقت، ساد ترقُّب ثقيل للوضع على الحدود الشرقية للبنان في ضوء الخشية من أن يكون الهدوء الحذر الذي سادها أمس مجرد «استراحةِ مُحارِبٍ» وأن تتحوّل هذه الجبهة «خاصرة رخوة» تنقل الوضع اللبناني إلى منزلقٍ خطير، موصولٌ بطريقة أو أخرى بأجندات إقليمية، وخصوصاً بفعل الجغرافيا السياسية لمنطقة الهرمل وامتدادها السوري نحو القصير وريف حمص والتي يشكّل «حزب الله» العنوان البارز فيها.وغداة ما نقلتْه «وكالة سانا للأنباء» السورية عن الجيش من أنه «سيطر على قرية حوش السيد» الحدودية «بعد طرد مقاتلي جماعة حزب الله»، واضطرار الجيش اللبناني للدخول على خط المواجهات بين العشائر المدعومة من الحزب والقوات السورية، استمرت الاتصالات على خط بيروت – دمشق والتي كان بدأها وزيرا الخارجية والدفاع اللبنانيين مع نظيريهما السورييْن.وفيما أفيد بأن لبنان يطالب بانسحاب المجموعات السورية المسلّحة من حوش السيد علي لإعادة سكانها وأن الجيش عزز وحداته بإنضمام كتائب من «المجوقل» الى القوى العسكرية في المنطقة، تطالب دمشق بتسليم المسؤولين عن «تصفية 3 جنود من جيشها داخل الأراضي السورية (الأحد)»، وهو ما شكّل شرارة المواجهات التي استمرت الاثنين وأدت الى ضحايا على المقلبين بينهم مدنيون.