
خاص- هامةٌ فنيّة لا تعوّض… وداعًا اليوزباشي مسارح لبنان
نودّع اليوم أحد أعمدة الفن والمسرح، رجلٌ من زمن الكبار، رحل بصمت كما انسحب عن الأضواء منذ سنوات.
أنطوان كرباج، ذاك العملاق الذي صنع مجد المسرح اللبناني، وأبهر الشاشات بأدائه الصادق، يغادرنا تاركًا وراءه إرثًا فنيًا خالدًا، وأدوارًا لن تمحوها السنون.
في زمن كانت الكلمة تنبض بالحياة، وكان الأداء رسالة، صنع كرباج لنفسه مكانًا بين الكبار، فكان الوجه الذي لا يُنسى في أعمالٍ طبعت وجدان اللبنانيين والعرب.
من خشبات المسارح التي وقف عليها إلى أدواره التلفزيونية التي شكّلت جزءًا من ذاكرة أجيال، لم يكن كرباج مجرد ممثل، بل كان فنّانًا متنقلًا حمل رسالته بصدقٍ ونقاء.
على المسرح، وقف شامخًا إلى جانب الأخوين رحباني، أعطى المسرح روحه وأخذ منه المجد.
تألق في “بياع الخواتم” و”هالة والملك”، وصنع حضورًا لا يُضاهى في “يعيش يعيش” و”المحطة” وكان اليوزباشي “صيف ٨٤٠” الذي هزّ بصوته مسارح الوطن.
كانت خشبة المسرح مملكته، والكلمة أداة سحره، يحوّل النص إلى نبض، والشخصية إلى كائن حيّ يخرج من الورق ليعيش في عيوننا ووجداننا.
أما في التلفزيون، فقدّم شخصياتٍ أصبحت جزءًا من ثقافتنا، من “البؤساء” إلى “ديالا”، ومن الأعمال اللبنانية إلى المسلسلات السورية التي أضاف إليها لمسته المميزة. فتحوّل صوته العميق وأداؤه الهادئ، حتى في لحظات الانفعال، الى بصمة لا تُمحى من ذاكرة الدراما العربية.
لكن الحياة لم تكن كريمة كما الفن. في سنواته الأخيرة، انسحب بصمتٍ، بعيدًا عن صخوبة الأضواء، بعدما غدر به الزمن كما يغدر بالكبار. أنهكه المرض، لكنّ مكانته بقيت، واحترامه ظلّ ثابتًا. واليوم، برحيله، لا يخسر لبنان فنانًا فقط، بل يفقد جزءًا من ذاكرته الثقافية وهويته الفنية.
أنطوان كرباج، وداعًا أيها النبيل… رحلتَ لكن صورتك ستبقى خالدة محفورة على خشب المسارح، وصوتك سيظل يرنّ في قلوبنا، تمامًا كما كنتَ يوم وقفت على المسرح، كبيرًا، مهيبًا وخالدا.