“إعلان طرابلس” بين الشعارات الوطنية والأهداف الانتخابية

“إعلان طرابلس” بين الشعارات الوطنية والأهداف الانتخابية

الكاتب: رامي نعيم | المصدر: نداء الوطن
17 آذار 2025

لم يعزم رئيس «تيار العزم» على اعتزال العمل السياسي في لبنان بشكل عام وفي طرابس بشكل خاص، فرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مصرّ على لعب دورٍ في المرحلة المقبلة ويعدّ العدّة للانتخابات النيابية التي أطلّت برأسها، والتي ستكون مفصلية في تحديد هوية العائد إلى السراي الكبير، وقد تكون عودة ميقاتي من بوابة الكتلة النيابية السنية الكبرى. ما يدفعنا إلى استنتاج حضور ميقاتي الواضح سياسياً، هو اللقاء الموسّع الذي عقده في دارته في طرابلس تحت عنوان «حفظ الأمن في الشمال» والذي استطاع أن يجمع فيه ثلّة من السياسيين الوازنين، ورجال دين، ونوّاباً سابقين وحاليين، ومسؤولين أمنيين، باستثناء دعوة رئيس الحكومة الأسبق حسّان دياب، ورئيس الحكومة الحاليّ نواف سلام، وهما شخصيّتان تُعتبر دعوتهما بديهية.

في معلومات خاصة بـ «نداء الوطن»، فإن عدم دعوة سلام بروتوكولية، وهي تفرض على المجتمعين تحويل اللقاء إلى السراي الحكومي أو الاستعاضة عن حضور سلام بمن يمثّله، وقد فضّل ميقاتي وفريقه الاستشاري أن يكون اللقاء في طرابلس، لما له من دلالات مهمة ليس فقط لمصلحة ميقاتي في التحضير للانتخابات، بل أيضاً في التأكيد أن طرابلس آمنة، وأنّ أمنها بخير، وأن هناك إصراراً سياسيّاً لبنانيّاً جامعاً على حفظ سلامة أبنائها، ومنع أي تفلّت أمني فيها تحت أي ذريعة. أما عدم دعوة دياب فتأتي في سياق مقاطعة نادي رؤساء الحكومات السابقين له منذ تكليفه برئاسة الحكومة حتى اليوم.

الحضور الذي جمع بالإضافة إلى ميقاتي رئيسي حكومة سابقين، هما فؤاد السنيورة وتمام سلام بالإضافة إلى النائبة بهية الحريري ممثلة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ورجال دين، جمع أيضاً نواب طرابلس المنية الضنية وعكار وهي مناطق الشمال اللبناني التي شهدت نزوحاً كبيراً من قبل السوريين بعد أحداث الساحل السوريّ الأخيرة، خصوصاً أن عدداً كبيراً من العلويين السوريين نزحوا باتجاهها وهي مناطق متداخلة بين الطائفتين السنية والعلوية.

المجلس العلوي طالب مسبقاً بالحصول على البيان الختامي

وفي معلومات خاصة، علمت «نداء الوطن» أن المجلس العلوي تمّت دعوته، لكنّه طالب مسبقاً بالحصول على البيان الختامي لمقرّرات اللقاء قبل الموافقة على المشاركة، فرفض فريق ميقاتي ذلك، وتمثّلت الطائفة العلوية بالنائبين السابقين علي درويش وخضر حبيب.

درويش المقرّب من ميقاتي صرّح لـ «نداء الوطن» أن اللقاء كان إيجابياً وأن المجتمعين شدّدوا على دور الدولة وعلى حماية أمن طرابلس، معتبراً أن نوعية الحضور فرضت جدّية في مقاربة الملفّ الأمني الداهم، وقطعت الطريق على من يراهنون على زعزعة الاستقرار.

قبل اللقاء ليس كما بعده أقلّه على أرض الواقع في طرابلس، حيث كشف درويش أن عاصمة الشمال عانت منذ بداية شهر رمضان أمنياً أكثر من معاناتها المزمنة في هذا الأمر، فقد وقعت خلال 15 يوماً عشر جرائم في مؤشر خطير على ازدياد العنف والتفلّت الأمني، فأتى اللقاء ليعيد طمأنة الطرابلسيين، ويعيد الحياة إلى أسواق المدينة ومطاعمها ومقاهيها، وقد طالب المجتمعون الدولة اللبنانية بتكثيف حضورها في الشمال لطمأنة اللبنانيين والسوريين النازحين معاً.

وفي هذا السياق أتى البيان الختامي للقاء مشجّعاً ومطمئناً للنازحين أنفسهم، حيث طالب بحمايتهم وبتأمين حقوقهم قاطعاً الطريق على المصطادين بالماء العكر. وفي معلومات خاصة بـ «نداء الوطن»، فإن المجتمعين لم يلحظوا بعد اتصالاتهم الأمنية من داخل الاجتماع وقبل عقده أي مؤشرات توحي بتفجير أمني وشيك في الشمال اللبناني، ولم يهمس أي مسؤول أمني في أذن أي مسؤول سياسي، أن ثمة ما يحاك أمنياً في الشمال ضد اللبنانيين أو أن هناك نوايا لأي طرف لبناني شماليّ بافتعال إشكالات أمنية مع السوريين، لكنّهم جميعهم أبدوا تخوّفاً من حدوث أي طارئ مفاجئ غير مخطط له، ما قد يجرّ الشمال إلى ما لا تُحمد عقباه، ومن هنا كان الحرص على التعاون بين الشرعية المتمثلة بالجيش اللبناني والقوى الأمنية وبين المواطنين منعاً للوقوع في المحظور.

التحضير لتحالف انتخابيّ كبير

لكن ما رشح عن الاجتماع وما استطاعت «نداء الوطن» معرفته، يوحي بأن طابع الاجتماع الأمني كان بأهمية ما لم يفصح عنه ميقاتي، وهو التحضير لتحالف انتخابيّ كبير يجمع «تيار المستقبل» و «تيار العزم» وحلفاءهما على مستوى لبنان، في إشارة إلى تسليم «تيار المستقبل» بزعامة ميقاتي المقبلة على المستوى السنيّ وبمباركة من فؤاد السنيورة وتمام سلام، ما فهمه البعض بأنه محاولة جدية لتطويق نواف سلام، وعدم السماح له ببناء زعامة سياسية تمتدّ إلى ما بعد مرحلة نهاية ولايته في السراي الحكومي.

وقد أعلنت مصادر مقرّبة من السنيورة، أن لا مشروع تطويق لـ «نواف سلام»، وأن لقاء طرابلس لم يكن موجّهاً ضد أحد، لكنّ الانتخابات المقبلة تحمل أكثر من احتمال، وقد يكون أحدها التعاون مع «تيار المستقبل» في حال تم التوافق على الخطوط السياسية الرئيسية للمرحلة المقبلة، كما قد تحمل الأيام المقبلة تحالفاً ضد «تيار المستقبل» ومع سياسيين آخرين نتّفق معهم في نظرتنا إلى المرحلة المقبلة.

لكن مصادر السنيورة تجزم بأن لا خيار نهائياً بعد، والأمور مفتوحة على كل الاتجاهات، مذكّرة بأن لقاء طرابلس يؤكد أن الأمن في لبنان سياسي بامتياز، وأن التوافق بين اللبنانيين يجنّب انزلاقات أمنية خطيرة.

إلى ذلك أوضحت مصادر رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام لـ «نداء الوطن»، أن لقاء طرابلس، اتّسم بالجدّية وبالحزم، وأن السياسة لم تكن حاضرة في نقاشاته إلّا بما يخدم أمن الشمال وأهاليه. وأكّدت المصادر أن سلام لن يكون إلى جانب فريق سياديّ وضدّ فريق سياديّ آخر في الانتخابات المقبلة، بل سيعمل على تقريب وجهات النظر بين من يؤمنون بنهائية لبنان ويرفضون السلاح غير الشرعي ويعملون لمصلحة اللبنانيين. وجزمت المصادر بأن لا اتفاق حتى اليوم مع أي فريق سياسي لخوض الانتخابات النيابية المقبلة بل هناك طرح أفكار عامة من دون البحث في التفاصيل.

المستقبل: لا نية لإقصاء سلام

نفت مصادر «تيار المستقبل»، ما يشاع عن نيته إقصاء رئيس الحكومة نواف سلام في الانتخابات المقبلة، وأكدت لـ «نداء الوطن» أن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لا يعمل على عزل أي مكوّن لبنانيّ، وأن خيار سلام في رئاسة الحكومة، كان من ضمن قناعات الحريري نفسه، لكنّ المصادر لم تنفِ قيام تحالف بين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، معتبرة أن الرجلَين يستطيعان معاً تأمين دعم دوليّ كبير للبنان. وأوضحت المصادر أن لا خيارات نهائية حتى الساعة لـ «تيار المستقبل» بشأن التحالفات، وأن الخيار النهائي الأكيد هو ما أعلنه الحريري نفسه في خطاب 14 شباط بأن «تيار المستقبل» سيكون حاضراً في الاستحقاقات المقبلة.

بدورها، قلّلت مصادر ميقاتي من أهمية الشائعات التي طالت اللقاء في طرابلس، وتمنّت عبر «نداء الوطن» أن يأخذ اللبنانيون في الاعتبار ما صدر عن المجتمعين من بيان وطنيّ بامتياز في مرحلة حساسة من تاريخ لبنان. ورأت المصادر في الاجتماع أملاً لتعزيز الأمن، مشدّدة على أن لا خيار إلا ببسط الدولة سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية وحفظ الأمن وتطبيق القانون. ورفضت مصادر ميقاتي التعليق على الانتخابات النيابية المقبلة، معتبرة أن لا ربط بين الاجتماع في دارة ميقاتي للبحث في أمن الشمال وأمان الطرابلسيين وبين الانتخابات المقبلة.

في سياق آخر، برز موقف لافت للنائب الطرابلسيّ السابق مصباح الأحدب، انتقد فيه اللقاء بأشدّ العبارات، معتبراً أن هدفه الاتفاق على التعيينات والمحاصصة والتحضير للانتخابات المقبلة، ومحاولة إقصاء أي منافس طرابلسيّ يقطع الطريق على طموحات ميقاتي وحلفائه.

مصادر أمنية خاصة أعلنت لـ «نداء الوطن»، أن اللقاء السياسي في طرابلس كان جيّداً، ويساعد الجيش اللبناني والقوى الأمنية على حفظ الأمن ومنع التفلّت. وأكدت المصادر أن أي توافق سياسي يدعم عمل المؤسسات الأمنية في تعزيز الحضور على الأرض وفي منع الصدامات.

في النهاية، قبل اجتماع طرابلس ليس كما بعده، فإذا كان صحيحاً ما قالته مصادر ميقاتي حول أن اللقاء لم يبحث أي أمور سياسية بل أمن الشمال وطرابلس، فإن نتائجه كانت إيجابية وانعكست خيراً وأمناً على الطرابلسيين وعلى اللبنانيين عموماً، وإن لم يكن صحيحاً ما نُمي إلينا يبقى الاجتماع إيجابياً، ومن حق أي سياسيّ لبناني أن يطمح إلى تحقيق الأفضل، وأن يسعى إلى تحالفات أكبر وما علينا إلّا محاسبته حين يُخطئ ودعمه حين يُصيب وغداً لناظره قريب.