
صندوق النقد الدولي حدد بداية الصيف سقفاً زمنياً للاتفاق مع لبنان
في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعصف بلبنان منذ أكثر من أربع سنوات، عاد ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى الواجهة بقوة، حيث شدد وفد الصندوق خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت على ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل قبل حلول الصيف، محذرا «من أن التجارب السابقة لم تكن مشجعة»، ما يستدعي تكثيف الجهود بالتعاون مع جميع السلطات والجهات المعنية.
ويبدو أن الرهان الأساسي في هذه المرحلة يتمحور حول استعادة الثقة بلبنان داخليا وخارجيا، وهذه مسألة تتطلب إصلاحات جوهرية على المستويات الاقتصادية والمصرفية والمالية.
وقال مصدر لبناني شارك في اجتماعات وفد صندوق النقد الدولي المكثفة في بيروت لـ «الأنباء»: «لا يخفى على أحد أن لبنان يعيش حالة من التراجع الاقتصادي الحاد، مع انهيار العملة الوطنية، وتآكل الاحتياطات النقدية، وتعثر القطاع المصرفي، إلى جانب تعطل شبه كامل لمؤسسات الدولة. وفي هذا السياق، أكد وفد الصندوق أن أي خطة إنقاذية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر التزام واضح بإصلاحات أساسية، أولها ضرورة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، حيث يشكل هذا الموقع ركيزة أساسية لضمان الاستقرار النقدي ووضع سياسات مالية شفافة تتماشى مع المعايير الدولية. كما شدد الوفد على أهمية تعزيز عمل وزارة المال من خلال إنشاء مركز موحد للمعلومات المالية والإدارية (داتا سنتر)، ما يسمح برفع مستوى الحوكمة وتعزيز الشفافية في إدارة المال العام».
وأضاف المصدر «على صعيد التشريعات المطلوبة، طالب صندوق النقد بضرورة إقرار قانونين رئيسيين، الأول يتعلق بالسرية المصرفية، حيث يرى الصندوق أن التعديلات التي أدخلت مؤخرا على هذا القانون لاتزال بحاجة إلى مزيد من التعديلات لضمان الامتثال للمعايير الدولية الخاصة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال. أما القانون الثاني، فيتعلق بإعادة هيكلة المصارف، وهذا عنصر أساسي لإعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي اللبناني وضمان حماية أموال المودعين. ومع استمرار التردد في إقرار هذا القانون، يبقى النظام المصرفي اللبناني عالقا في حالة من الغموض، حيث لم تتضح بعد آلية التعامل مع الخسائر المالية الضخمة التي تراكمت منذ بداية الأزمة».
وأوضح المصدر أن «الوقت يشكل عاملا ضاغطا في هذه المفاوضات، إذ حدد وفد الصندوق مهلة غير رسمية تمتد حتى الصيف المقبل للوصول إلى اتفاق نهائي. ويعود ذلك إلى الحاجة الماسة لإعطاء إشارة إيجابية للأسواق والمستثمرين بأن لبنان جاد في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وبالتالي تجنب الدخول في مرحلة أكثر تعقيدا، قد تؤدي إلى عزلة مالية دولية كاملة. غير أن التحدي الأكبر يبقى في قدرة السلطات اللبنانية على الالتزام بالتعهدات المطلوبة، خصوصا أن تجارب سابقة أظهرت تراجعا أو مماطلة في تنفيذ الإصلاحات، ما أدى إلى فقدان الصندوق والمجتمع الدولي الثقة بالوعود اللبنانية».
وأشار المصدر إلى انه «يطرح السؤال حول مدى استعداد القوى السياسية اللبنانية للمضي قدما في تنفيذ هذه الإصلاحات، خصوصا في ظل الانقسامات الحادة والتجاذبات التي تعرقل اتخاذ أي قرارات مصيرية. فإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف يتطلب حسم ملف توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين، وهي قضية شائكة نظرا إلى تداخل المصالح بين السلطة السياسية والقطاع المصرفي. أما تعديل قانون السرية المصرفية، فيصطدم بعقبات تتعلق بمدى استعداد القوى النافذة للكشف عن الحسابات المالية والالتزام بمعايير الشفافية المطلوبة دوليا».
وحذر المصدر من انه «على رغم من أن صندوق النقد لايزال مستعدا للتعاون مع لبنان، إلا أن صبره بدأ ينفد، خصوصا أن المجتمع الدولي يشترط التوصل إلى اتفاق مع الصندوق كمدخل أساسي لأي مساعدات مالية أخرى لاسيما ما يتصل بإعادة الإعمار. وبمعنى آخر، فإن أي تلكؤ في تنفيذ الإصلاحات سيعني مزيدا من العزلة الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى انهيار أوسع وأعمق للبلد. لذا فإن الكرة اليوم في ملعب الدولة اللبنانية. فإما اتخاذ قرارات جريئة تضع لبنان على سكة التعافي، أو استمرار الدوران في الحلقة المفرغة التي لم تؤد إلا إلى مزيد من التدهور والانهيار».