
«بون شاسع» بين شائعات «التطبيع» ومفاوضات «الخماسية العسكرية»
عبّرت مراجع ديبلوماسية وعسكرية عن الحاجة الماسّة لإخراج ما يجري إعداده من ترتيبات خاصة بالمرحلة الجديدة للإنتقال من مرحلة «وقف الأعمال العدائية المبرم في 26 تشرين الثاني 2024»، إلى مرحلة «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701»، والخطوات التالية لمعالجة القضايا العالقة بين إسرائيل ولبنان، بما فيها النقاط الحدودية المحتلة وتلك المتنازع عليها، من سوق المزايدات والمناكفات السياسية الداخلية. ذلك أنّ بعض ما قيل في هذا المجال بقي خارج ما هو منتظر من خطوات. وهو ما يستدعي انتظار الآلية التي ستعتمد بصيغتها النهائية وفق خريطة الطريق إليها.
لم يكن مقبولاً لدى عدد من الدوائر المعنية ما تردّد من قراءات وتفسيرات خاطئة تطاول ما يمكن أن يُرافق الخطوات العسكرية والأمنية الجديدة التي تمّ التوصّل إليها في الاجتماع الأخير للخماسية العسكرية، بغية الإنتقال بالوضع في الجنوب إلى المرحلة التالية من قرار «وقف الأعمال العدائية»، إلى ما يؤدّي في النتيجة الحتمية إلى «اتفاق شامل ونهائي لوقف إطلاق النار»، يُنهي الحرب في المناطق الجنوبية ويُرسي الهدوء، الذي يسعى إليه جميع الأطراف المعنيِّين بالحرب ورعاة العملية الجارية، عبر لجنة الإشراف والمراقبة لتنفيذ تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي.
ولتصويب بعض المفاهيم الخاطئة، يقول العارفون بما سبق ورافق القرار الأخير الذي اتُخذ في اجتماع اللجنة الثلاثاء في 11 آذار الجاري، بما شكّله من مفاجأة دفعت إليها خطوة الإفراج عن 4 من الأسرى اللبنانيِّين لدى الجانب الإسرائيلي وعن جندي من الجيش اللبناني خُطِف لاحقاً بالقرب من أحد المراكز العسكرية المحتلة داخل الأراضي اللبنانية، معطوفاً على قرار تشكيل فرق العمل واللجان التي ستتولّى إدارة المرحلة المقبلة بما فيها من مفاوضات غير مباشرة لتثبيت الحدود بين لبنان وإسرائيل وترسيمها.
ومردّ المفاجأة، أنّ عملية إطلاق الأسرى من الجانب الإسرائيلي كانت مقرّرة في مرحلة سابقة، وتحديداً في المهلة الممدّدة التي تلت «مهلة الـ60 يوماً»، أي ما بين 27 كانون الثاني 2025 تاريخ نهاية تلك المهلة و18 شباط الماضي، ولم تتحقق.
وقد كان معروفاً أنّ التفاهم الأساسي لم يتناول مصير الأسرى، ولا ما عُرِف لاحقاً بـ «الأعمال الهندسية»، وسط جدل قام لفترة بأنّ لإسرائيل الحق بكل ما قامت به في القرى المحتلة، وبين الحديث اللبناني عن خرق القوانين الدولية التي ترعى المناطق المحتلة وطريقة إدارتها من
جانب قوة احتلال.
وانطلاقاً ممّا رافق هذا الجدل، ظهر استغلال إسرائيل لفترة سيطرتها على القرى اللبنانية، فمارست رؤيتها للوضع، متسلّحة برضى أميركي وصمت فرنسي ودولي غير مسبوق، في كل ما قامت به في هذه المناطق. فاستغلت سيطرتها على الأجواء اللبنانية من أقصى الجنوب إلى الحدود اللبنانية – السورية شمالاً وبقاعاً وفي عمق الأراضي اللبنانية. فواصلت غاراتها التي استهدفت مسؤولين من الحزب و»حماس»، وقصفت مواقع قالت إنّها لتخزين الأسلحة وتصنيعها، في موازاة الإمعان في تفجير المنازل والمنشآت الحيوية والمؤسسات العامة في عشرات القرى المحتلة. وحُجّتها أنّها كانت تستهدف أنفاقاً للحزب ومراكز تجميع أسلحة في الأحياء السكنية وبين المدنيِّين. فعاثت تدميراً بطريقة غيّرت جغرافيّة القرى، ولم يَعُد ممكناً تبيان الطرق العامة أو الفرعية في بعضها، كما أتلفت المحاصيل الزراعية والكروم والأشجار المثمرة، عدا عن سرقة أشجار «الزيتون المعمِّرة» ونقلها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعليه يمكن لفت النظر إلى أنّ هذه الممارسات الإسرائيلية استمرّت طوال الفترة الممدّدة للتفاهم الأول، على رغم من التعهّد الأميركي الذي قُطِع على خلفية سعي الولايات المتحدة إلى الإفراج عن الأسرى اللبنانيِّين لدى إسرائيل قبل الوصول إلى 18 شباط الماضي، في ظل فقدان أي أسير لدى الجانب اللبناني، وعلى رغم من الحديث الذي تسرّب من أوساط سياسية وإعلامية قريبة من «حزب الله»، تحدّثت عن وجود أسرى إسرائيليِّين من رتب مختلفة لدى المقاومة قبل أن يثبت أنّ لا أساس لهذه المعلومات.
وبناءً على كل ما تقدّم، تكشف المراجع المعنية أنّ دعوتها إلى الحكم في ما انتهت إليه المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل وعبر اللجنة الخماسية، قد قالت بالعمل لتشكيل 3 فرق عمل أو لجان تحاكي الأوضاع المختلفة للنقاط الحدودية، وهي تُجري تمييزاً واضحاً بين تلك النقاط المحتلة سابقاً أو تلك المتنازع عليها والحديثة التي انتهت إليها «حرب الإسناد». وهي على الشكل الآتي:
– فريق عمل تقني: يتشكّل من الجيش اللبناني والمخابرات والشؤون الجغرافية ونظرائهم الإسرائيليِّين، ومهمّته استكمال البحث في النقاط الـ 13 المحتلة، التي كان التفاهم على مصير 6 منها محققاً.
– فريق عمل عملاني: ومهمّته البحث في النقاط الخمس التي بقِيَت محتلة أخيراً، ومعها النقاط الإضافية التي احتلتها إسرائيل لضمان مواقعها الخمسة الأساسية، وهي تتراوح بين 8 و10 نقاط، نتيجة القيام بأعمال محدودة وموقتة في زمانها ومكانها، حيث تشهد عمليات عسكرية لفترة وجيزة، وهي تترجمها بأعمال توغل وتجريف من وقت لآخر. وهذه النقاط لا نقاش في اعتبارها نقاطاً محتلة طالما أنّها في عمق الأراضي اللبنانية.
– فريق عمل قانوني وديبلوماسي: ومهمّته النظر في أوضاع مزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا. فلهذه المناطق وضع مختلف عن بقية النقاط المتنازع عليها. فالغجر مثلاً وبعض المزارع المحيطة بها هي أراضٍ لبنانية محتلة، يسكنها سكّان سوريّون، حملوا بفعل أحكام صدرت عن المحكمة العليا هويات إسرائيلية، وهو وضع معقّد لا يُحل سوى وفق القوانين الدولية، وهناك تفاهمات سابقة سقطت بمرور الزمن ويمكن إحياؤها في أي لحظة.
أمام مجموعة الوقائع هذه، تُشدِّد المراجع الديبلوماسية والسياسية والعسكرية على أهمية مناقشة هذه التفاهمات متى تمّ التوصّل إليها، وعدم البناء على شائعات، كمثل الحديث عن مفاوضات مباشرة تؤدّي إلى التطبيع، بعيداً من المناكفات الداخلية والمزايدات التي حفلت بها بعض المواقف. فالأمر لم ولن يصل إلى مرحلة التطبيع. وإن أراد البعض العودة إلى التوقعات الإسرائيلية، فليتذكر الإعلام الإسرائيلي الذي استُغلّ لخداع اللبنانيِّين طوال أشهر الحرب الطويلة. ألم يقل الإعلام الإسرائيلي إنّ لا عمليات عسكرية واسعة في لبنان؟ ألم يستبعد المَسّ بقيادات «حزب الله» والمقاومة قبل أن يضرب وفق بنك المعلومات المذهل لديه أمينَيه العامَّين وقادته؟ ولذلك فلا يطمئنّ أحد إلى التسريبات الإسرائيلية، ففي معظمها رسائل إلى الداخل الإسرائيلي أكثر منها في اتجاه لبنان والمجتمع الدولي… ولننتظر القرارات متى صدرت للحُكم عليها… ونقطة عالسطر.